نتنياهو وجابوتنسكي وإفقاد الفلسطيني الأمل.

نداء الوطن -

 

بكر أبوبكر

شدتني الفكرة الجهنمية التي أطلقها فلاديمير جابوتنسكي (مواليد أوكرانيا1880-أمريكا1940م) أيقونة التطرف اليهودي، وأبو التطرف السياسي الإسرائيلي الحالي، والأب الروحي لنتنياهو نفسه كما افتخرمرارًا، وصديق والده (بن صهيون) المتطرف أيضًا.

شدتني فلسفة "جابوتنسكي" الإرهابية العميقة واللاأخلاقية لأبحث ثم أقرأ بعناية المادة الأصلية لمقاله المعبرعن فلسفته، فلسفة القوة الإرهابية حين أعتبر ان التعامل أو التصالح أو التفاوض مع الآخر وهمٌ وسرابٌ. فلا سلام مع العربي الفلسطيني الا بتكريس الوجود الاستيطاني الاستعماري اليهودي في فلسطين بالقوة ومزيد من القوة. سواء القوة الذاتية اليهودية، أو الغربية وخاصة البريطانية. مع إفقاد الخصم الأمل كليًا! أي بث اليأس.

وهو الى ذلك لم يستطيع أن ينكر قوة وحيوية الشعب العربي الفلسطيني إذ رآه "شعبًا حيًا" وليس بدائيًا، رغم انبهاره الشخصي بالحضارة الغربية مقابل حضارة المنطقة التي ينبذها.

الفلسطيني حسب جابوتنسكي لن يقبل أن تسرق أرضه تحت أي ظرف، فهم (العرب الفلسطينيون) القوم الأصلانيون، فكيف لهم أو الأوغنديين أن يقبلوا استعمار بلادهم؟ (هو من استعمل المقارنة بين استيطان اليهود لفلسطين أو أوغندا كنموذج في مقاله عن الستار أوالجدارالحديدي فلم يرى فرقًا بالرفض لهم بالحالتين ومن الشعبين).

وفي الرد على عقل "جابوتنسكي" المتطرف وصهيونيته "التصحيحية"، وما سبقها من سعي استعماري غربي لاغتصاب فلسطين، كانت نهضة الشعب العربي عامة والشعب العربي الفلسطيني بثوراته المتعددة في فلسطين منذ بداية القرن العشرين، وصولًا الى بزوغ فجر الفاتح من يناير 1965م بذراع ياسر عرفات الخشنة وإخوانه التي فتحت بابًا واسعًا جدًا في ظلام النكبة والهزيمة الحالك.

ياسر عرفات والروّاد من زملائه الأفذاذ آنذاك ومن خلال الانطلاقة العظيمة المدهشة لكل الصهاينة من جهة ولكن المنظرين بالشعارات الكبيرة بلا أي عمل قد بدّدوا الظلمات وصفعوا خدّ جابوتنسكي المتطرف ورجاله من عصابات الإرهاب الصهيوني المختلفة، وأفهموه بالعمل الثوري أن العربي الفلسطيني قادر وقوي حتى بعد هزيمة كل جيوش العرب تحت وطأة قوة التحالف الغربي الكامل مع العصابات الصهيونية التي احتلت فلسطين إثر النكبة.

منذ العام 1948 م حيث النكبة والمذابح والتشريد والقتل وحتى العام 1965 مرت 17 عام من أحلك ما مر على العالم العربي والإسلامي. وكاد الفلسطينيون والأمة أن يسقطوا في بئر اليأس وفقدان الأمل فكانت "العاصفة" لطمة على رأس الإرهاب الصهيوني، وكان ياسر عرفات ذو النظرة البعيدة دومًا يرى النور في آخر النفق كما ردد مرارًا وتكرارًا في كل أزمة مرت بها القضية الفلسطينية.

بالعودة لجابوتنسكي فإنه يختم مقالته عما أسماه "الجدار الحديدي"[1] بفلسفة السلب والقتل (العادل!) حين يقول: "إن العالم ليس لأولئك الذين لديهم أكثر من اللزوم فقط-يقصد أراضي العرب الشاسعة-، وإنما هي لأولئك الذين لايملكون شيئًا منها أيضا-يقصد اليهود-. إن مصادرة قطعة أرض من أيدي شعب صاحب الإقطاعات الشاسعة، بغية إنشاء بيت لشعب دائم الترحال، إنما يعتبر عملًا عادلًا" (؟!) أي أنه يشرعن بنظريته "الأخلاقية" العجيبة سرقة واغتصاب أرض الآخرين!؟

ثم مستخدمًا القوة المفروضة ليقول نصًا: "وإذا لم يرغب الشعب صاحب الإقطاعات بذلك، وهو أمر طبيعي جدًا، يجب حينها إرغامه على ذلك". (؟!)

وكي لا يكون هناك أي شك بضرورة استخدام الإرهاب والقسر والقتل والقوة ضمن المبدأ الميكافيللي الخالد الغاية تبرر الوسيلة مهما كانت حقيرة وغير قانونية يؤكد الامر بقوله "إن الحقيقة المقدسة التي يجب ضرورة استخدام القوة لتحقيقها لاتتوقف عن كونها حقيقة مقدسة" (!؟).

خلال المؤتمر الاقتصادي لصحيفة "مكور ريشون" عام 2019 قال نتنياهو: "الاقتصاد والمجتمع والحداثة، هي الأسس التي أبني عليها اقتصاداً قوياً وعظمة داخلية وخارجية ل"إسرائيل". الاستثمار بكل مركّبات العظمة الإسرائيلية، العسكرية والاقتصادية والروحانية. العظمة العسكرية هي أحد الأسس الجوهرية للجدار الحديدي الذي تحدث عنه جابوتنسكي".

يقول الكاتب أليف صباغ في صحيفة الاخبار اللبنانية[2] "إن عقيدة جابوتنسكي تؤكد أن الشعب الفلسطيني لن يرضى بالمستوطنين إلا إذا استسلم للقوة وفقد الأمل باستعادة الحق المغتصب. وهذا هو جوهر الصراع في الوقت الحاضر مع حكومة "نتنياهو" سابقاً وحكومة "بينيت" حالياً. ومن هنا يمكن أن نفهم إصرار الحكومتين على رفض أي اعتراف بحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته، حتى إنّ "بينيت" لا يعترف بوجود الشعب الفلسطيني".

لقد فهم الصهاينة اليوم -كما ترى- برئاسة المأسور للقوة المفتون ب"أخلاقية جابوتنسكي" نتنياهو وفي توافق مع اليمين الديني الخرافي، فهِم مبدأ أو فلسفة استخدام القوة والإرهاب والقتل من معلمهم جابوتنسكي، مع إفقاد الأمل للأصلانيين، وشرعنة سلب أراضي الغير.

أن المعنى لفلسفة جابوتنسكي-نتنياهو هو استخدام مزيد من القوة العسكرية وسلب الأرض وتحقيق العظمة التقانية والصناعية، وبمعنى تزوير الحقائق التاريخية عبر استخدام طروحات التاريخ التوراتي الخرافي بأحقيتهم بفلسطين، وعكسه على الواقع القائم بمحاولة استنطاق التراب والحجر الذي أبى مطاوعتهم وأنكر دعاويهم كليًا. ففرضوا "قانون القومية اليهودية" الفاسد أخلاقيًا وقانونيا، والعنصري أخلاقيًا بالقوة السياسية والعسكرية الاحتلالية على العالم المكشوف بضلالة ارتباطه بسوء ظنه وتعذيبه عبر القرون لليهود والممتلئ غيظًا من حضارة أمتنا، والساعي لفرض حضارته المسيطرة وسحق الآخر.

في ضوء هذه الأفكار والفلسفة اللاأخلاقية لجابوتنسكي-نتنياهو ماذا ننتظر من عودة اليمين المتطرف اليوم الى الحكم في تكرار للسيناريو القديم الجديد!

لن تتوقف ثورة ومقاومة الشعب العربي الفلسطيني وأمته الحية ولن ييأس حتى يُسترد الحق، يحدوه الأمل والإيمان وثبات اليقين والعمل النضالي المثابر، وهو ما كان من دوام الثورات والانتفاضات وأشكال المقاومة الفلسطينية المختلفة التي أرادها الراحل الكبير ياسر عرفات وشيعته، والتي لم تفتر ولن تنتهي الا بالنصر بإذن الله تعالى.

الحواشي

[1] كتب جابوتنسكي مقاله لأول مرة عام 1923 ثم عام 1933م تحت عنوان النظرية الأخلاقية للجدار الحديدي- ترجمة أوردها الكاتب نبيه بشير للنص في مقاله المعنون: قراءة جديدة لعقيدة الجدار الحديدي مرفق نص النظرية الأخلاقية للجدار الحديدي. في فصلية قضايا إسرائيلية عدد69. والنص مترجم عن الروسية من صحيفة رازسفيت.

2 موقع الميادين ومقال أليف صباغ في 14 نيسان 2022م

#ياسر_عرفات

#فلسطين_لنا

#بكر_ابوبكر

#جابوتنسكي


[1] كتب جابوتنسكي مقاله لأول مرة عام 1923 ثم عام 1933م تحت عنوان النظرية الأخلاقية للجدار الحديدي- ترجمة أوردها الكاتب نبيه بشير للنص في مقاله المعنون: قراءة جديدة لعقيدة الجدار الحديدي مرفق نص النظرية الأخلاقية للجدار الحديدي. في فصلية قضايا إسرائيلية عدد69. والنص مترجم عن الروسية من صحيفة رازسفيت.

[2] موقع الميادين ومقال أليف صباغ في 14 نيسان 2022م

 

 

نداء الوطن