الفكر الصهيوني: بين تيهِهم وتَمرنا

 

بكر أبوبكر

كنت تجد الحيرة والتيه مع أولئك المؤسسين الصهاينة التائهين بين الفكرة والدين والقيم والأيديولوجيات وجغرافيًا بين أوغندا أو كينيا أو الارجنتين التي امتدحوا جمالها، أوسيناء أوليبيا أو فلسطين وهم بتيهِهِم ذاك كانوا يستعيدون فكرة التيه التوراتية المضخمة، وتعود بهم اليوم رغم سطوتهم العسكرية والتقانية والنووية بل والإقليمية ليتوهوا بين مختلف التيارات الدينية المتطرفة فيهم ذات العمق التوراتي، وبين تلك التيارات الصهيونية القومية أو الاشتراكية التي تلفظ أنفاسها، وغيرها، وبين "الحل النهائي" وشبح الدولة الفلسطينية وسقوط "الهيكل" قبل أن يظهر هو ومسيحهم الموعود (المشياح).

تيه وخوف وجودي

وقد تجد الخوف بالكيان القائم متمثلًا بما طرحه إلياس شوفاني حين اعتبرت الدولة تائهة أو بلا هوية حيث قال أن: "ثمّة إشكاليّة في صعوبة الجمع بين اليهوديّة والصهيونيّة والديمقراطيّة (المدعاة بالطبع)، فاليهوديّة تتناقض مع الصهيونيّة بوصفها تنطلق من رؤية علمانيّة وقوميّة، والصهيونيّة واليهوديّة تتناقضان مع الديمقراطيّة، فالأولى لكونها عقيدة دينيّة، والثانية لكونها فكرة استيطانيّة عنصريّة، وفي "إسرائيل" الراهنة يستحيل فصل الدين عن الدولة لأنّها صنيعة الصهيونيّة الّتي قامت على الجمع بين الدينيّ والزمنيّ في منطلقاتها الأساسيّة، وبهذا فإنّ محاولة الجمع بين يهوديّة الدولة وديمقراطيّتها في إطار قوميّ يهوديّ جعلت من "إسرائيل" دولة لا هي صهيونيّة فعلًا ولا هي يهوديّة أو ديمقراطيّة كذلك، إنّها دولة بلا هويّة."

ودعنا نوافق الكاتب مجدي حماد بالقول: إنّ توسيع الديمقراطيّة (داخل "اسرائيل") قد يقود إلى مساواة كاملة بين العرب واليهود، وهو أمر لا تتحمّله الهويّة اليهوديّة العنصريّة الّتي تقوم على مفهوم النفي الثقافيّ والوجوديّ معًا.

ويقول الكاتب المخضرم ماجد الكيالي أن: "فكرة "إسرائيل" ذاتها، ومآلات وجودها، باتت مطروحة اليوم للنقاش، وباتت موضع تشكّك رغم ما حققته من نجاحات خلال العقود الماضية، سياسياً واقتصادياً وتقانيًا".

وفي جميع الأحوال تحقق الهدف الاستعماري الغربي الأصلي بتدمير الأمة وزرع الكيان، ورغم كل الهيلمان المتحقق يظل الخوف الوجودي وفكرة التهديد الأمني الدائم للدولة الإسرائيلية هو الأصل وهو الضابط لمسار الخلاف وعامل الجذب أوالتماسك الذي تصرّ علي بعثه المؤسسة الصهيونية الإسرائيلية، ولا تبتعد عنها الفكرة الاستعمارية الأوربية الأمريكية.

يقول الشاعر العربي

دَبَبْتُ للمجدِ والساعون قد بلغوا/جَهْدَ النفوس وألقَوا دونه الأُزُرا
وكابدوا المجد حتى ملَّ أكثرُهم/وعانقَ المجدَ مَن أوفى ومَن صَبَرا
لا تحسَبِ المجدَ تمرًا أنتَ آكلُه/لن تبلغَ المجد حتى تلعَق الصَّبِرا

في ظل المتغيرات الدولية (المحاور الصاعدة الى جانب أمريكا، وخاصة الصين وروسيا) والاقليمية الداهمة فإن نظرة سريعة على المستقبل، وعلى مآلات المشروع الصهيوني في فلسطين تنبيء بضرورة بزوغ فهم جديد لدى الصهاينة الجدد، أو لدى التقدميين الإسرائيليين على قلتهم اليوم، وضرورة عودة الوعي والفهم العربي الموحد، والفلسطيني والإسلامي الجديد، وإلا فإن الاحداث قد تدهمهم ويفوتهم موسم الحصاد.

إن التقاط التمر أوبزوغ شمس الحقيقة العربية الفلسطينية الساطعة ستستمر بالبزوغ-وستحقق الهدف وفق مقولة الشاعر العربي الذي ذكرنا أبياته الجميلة أعلاه- وتدخل كل بيت في العالم دون عوائق مادام هذا الشعب البطل يكرس فكرة الإيمان الذي لاتزلزله الجبال، ويكرس أنه طليعة هذه الأمة ورأس السهم فيها نحو الحرية والوحدة والتقدم، ويمارس الصمود والرباط والثبات في الأرض وبالثبات على الرواية والقيم الحضارية الأصيلة، والمثابرة والديمومة التي لاتؤثر فيها الأعاصير.

*الحلقة السادسة والأخيرة من سلسلة حلقات حول: الفكر الصهيوني بين القهر والخوف

 

 

نداء الوطن