الأقصى.. رمز لا ينكسر رغم موجات الحر 

الأقصى.. رمز لا ينكسر رغم موجات الحر 

رغم موجة الحر اللاهبة التي ضربت القدس الأسبوع الماضي، ظل المسجد الأقصى عامرًا بالمصلين الذين توافدوا بالآلاف طوال أيام الأسبوع، في مشهد يختلط فيه العزم بالإيمان، والحرارة القاسية بخشوع الأرواح، مشهد بدا وكأنه يترجم الإرادة الجماعية للحفاظ على مكانة المسجد ومكانته كقبلة للقلوب، مهما بلغت قسوة المناخ.

 

مسؤولو الأوقاف أشاروا إلى أن أغلب المصلين فضلوا أداء صلاة الفجر على وجه الخصوص، باعتبارها الأقل حرارة، ولأنها تمنح فرصة للتعبد في أجواء أكثر سكينة قبل أن تشتد الشمس، ولكم لم هذا الخيار جديدًا بل أصبح نمطًا يتكرر في مواسم الصيف، حيث يبحث المصلون عن لحظة توازن بين أداء الفريضة وصون أجسادهم من الإجهاد.

 

ورغم التحديات، شهد الأقصى انضباطًا واضحًا في التنظيم بفضل التعاون بين المصلين والعاملين على خدمة المسجد، وساعد هذا التكاتف على الحفاظ على أجواء هادئة سمحت بإقامة الصلاة بخشوع كامل بعيدا عن أي مشاهد فوضى أو اضطراب، ويعكس ذلك أن الإيمان لم يكن مجرد حالة فردية، بل ممارسة جماعية تدعمها إرادة الحفاظ على قدسية المكان.

 

اللافت أن موجة الحر لم تُقرأ فقط كظرف طبيعي عابر، بل تحولت في نظر كثيرين إلى "امتحان روحي"، وكأنها تضع المصلين أمام سؤال: إلى أي مدى يمكن أن يتغلب الإنسان على مشقة الجسد ليمنح روحه فرصة السمو؟، وهنا يبرز المعنى الرمزي للمشهد؛ فالتشبث بالأقصى لا يتوقف عند حدود الطقس أو الظروف بل يمتد إلى كونه فعل صمود بحد ذاته.

 

ومع استمرار فصل الصيف، تبقى التوقعات قائمة بمزيد من التحديات المناخية، لكن المصلين أظهروا استعدادهم للاستمرار في الحضور، ولو بأعداد متفاوتة، فالأمل السائد بينهم أن تبقى أجواء العبادة محكومة بالهدوء، وأن تظل الصلاة في الأقصى تجربة إيمانية لا يشوهها ضغط الطبيعة ولا قسوة الطقس.

 

والبعد الإنساني للمشهد لا يقل أهمية عن جانبه الديني، فالمصلون، بينهم كبار سن وأطفال أظهروا قدرة على التكيف مع الظروف الصعبة، من خلال البحث عن الظلال والاعتماد على مياه الشرب التي وفرها المتطوعون، إضافة إلى التزامهم بتعليمات الأوقاف، وربما ساعد هذا الانضباط على تجنب أي حوادث صحية كبيرة، وحول العبادة إلى صورة جماعية من الدعم والتكافل.

 

ولا ينظر كثيرون لصلاة الفجر في الأقصى كواجب ديني فحسب بل كعنوان رمزي للثبات، فهي تحولت خلال السنوات الماضية إلى فعل مقاومة صامتة ضد كل الظروف المحيطة من تضييقات أمنية إلى تقلبات مناخية، ومع كل موجة حر أو برد يزداد الوعي الجمعي بأهمية هذه الصلاة كعلامة على الصمود والإصرار.

 

اللافت أيضا في المشهد الأخير أن نسبة الشباب بين المصلين كانت ملحوظة، حيث حرصوا على الحضور في الصفوف الأولى رغم قسوة الحرار، ولم يقتصر هذا الحضور على البعد الديني فقط بل يعكس رغبة الجيل الجديد في تأكيد هويته والانخراط في الفعل الجماعي لحماية قدسية المكان.

 

كما أن الأقصى لم يكن يومًا مجرد موقع جغرافي بل مساحة روحية تتجاوز حدود المكان، ومع كل تجمع للمصلين يظهر كيف يتحول المسجد إلى نقطة التقاء لمشاعر متباينة من حيث الخشوع الديني والإحساس بالانتماء والإصرار على الحفاظ على الذاكرة الجمعية، فموجة الحر الأخيرة كشفت أن هذه المعاني أقوى من أي عوامل طبيعية قد تعترضها.

 

وفي الوقت نفسه، يعوّل مسؤولو الأوقاف على استمرار حالة التعاون والانضباط بين المصلين والمتطوعين للحفاظ على الأجواء الهادئة خلال الأسابيع المقبلة من الصيف، فهم يعتبرون أن نجاح التنظيم لا يحمي فقط قدسية الصلاة بل يعزز صورة الأقصى كرمز للسلام الداخلي رغم ما يواجهه من ضغوط خارجية وطبيعية.

 

وفي النهاية، بدا أن موجة الحر لم تُضعف العزيمة بل زادت من قيمة المشهد الرمزي للأقصى باعتباره مكانًا لا ينحني أمام الظروف، فالمصلون الذين اختاروا الاستمرار في الحضور أكدوا أن علاقتهم بالمسجد ليست علاقة ظرفية، بل التزام متجذر يعكس صمود الروح أمام امتحانات الطبيعة كما أمام التحديات السياسية.