معادلة المقاومة تربك «إسرائيل»: إما التسليم بمطالب لبنان أو المواجهة وخسارة الفرصة الذهبيّة

 

حسن حردان
منذ أطلق أمين حزب الله قائد المقاومة سماحة السيد حسن نصرالله إنذاره لكيان العدو من مغبة الإقدام على استخراج النفط والغاز من حقل كاريش، وأعلن عن معادلته الردعية الجديدة «كاريش وما بعد ما بعد كاريش»، إذا لم يحصل لبنان على حقوقه في ترسيم الحدود البحريّة والسماح له بالتنقيب والاستخراج في كافة حقوله الغازية والنفطية، منذ ذلك الوقت وحكومة العدو الصهيونيّ وكلّ مراكز ودوائر صنع القرار في الكيان الغاصب دخلوا في مأزق وحالة من الارتباك في كيفية الخروج من هذا المأزق الذي وضعتهم فيه المقاومة والنابع من أمرين:

الأمر الأول، إدراك القادة الصهاينة انّ المقاومة تملك القدرات الردعية لتنفيذ ما تقول ومنعهم من استخراج الغاز والنفط ودخول السوق العالمية كلاعب مهم بالمساهمة في سدّ جزء من حاجات أوروبا للطاقة لتعويض النقص لديها بعد تراجع استيراد النفط والغاز الروسي وردّ روسيا بخفض الكميات التي كانت تصدّرها إلى أوروبا…

الأمر الثاني، قلق المسؤولين الصهاينة من أنّ هذه الفرصة المتوافرة الآن قد تضيع إذا لم يسارع كيان العدو الى استخراج الغاز وتنفيذ الاتفاق الذي عقد مع أوروبا لتصدير الغاز إليها عبر مصر .

من هنا وجدت حكومة يائير لابيد أنها أمام وضع أربك خططها لا سيما أنها عشية إجراء انتخابات تشريعية مبكرة وهي كانت بحاجة إلى تحقيق إنجاز في موضوع استخراج وتصدير الغاز لما له من انعكاسات إيجابية على الوضع الاقتصادي في الكيان الصهيوني، وبالتالي استخدام هذا الإنجاز كورقة لتعزيز الوضع الانتخابي لرئيس الحكومة وشريكه وزير الحرب بني غانتس، في مواجهة خصمهما رئيس حزب الليكود بنيامين نتنياهو…

انطلاقاً من ذلك باتت حكومة لابيد أمام ثلاثة خيارات:

الخيار الأول، عدم القبول بالشروط اللبنانية لترسيم الحدود ورفع القيود المفروضة على الشركات الأجنبية للبدء بالتنقيب والاستخراج من الحقول اللبنانية، وهي قيود فرضت «إسرائيلياً» وأميركياً لمنع لبنان من الاستفادة من ثرواته لحلّ أزماته والخروج من دائرة الحصار المفروض عليه لإخضاعه لشروط الهيمنة الأميركيّة والنيل من مقاومته.. هذا الخيار يعني الذهاب الى مواجهة مع المقاومة التي ستنفذ تهديدها بمنع كيان الاحتلال من القيام بعمليات استخراج النفط والغاز من كاريش وغيره من الحقول في بحر فلسطين المحتلة… لكن هذه المواجهة العسكريّة قد تقود إلى حرب واسعة لا تضمن حكومة لابيد، المقبلة على انتخابات، تحقيق الفوز فيها، بل قد تكون نتائجها كارثية على الكيان الصهيوني تتجاوز بكثير تداعيات ونتائج الهزيمة «الإسرائيلية» في عدوان تموز عام 2006.. عدا عن خسارة فرصة الدخول كلاعب في سوق تصدير النفط والغاز.. ولهذا فإنّ هذا الخيار لا شعبية له في الكيان، عدا عن عدم تأييده من المؤسستين العسكرية والأمنية، وحتى أنّ الولايات المتحدة الداعم الأول للكيان، لا تؤيد هذا الخيار لأنه لا يصبّ في مصلحتها في حلّ مشكلة سدّ حاجة أوروبا من الطاقة، ويبعد الأنظار عن الحرب الأطلسيّة ضدّ روسيا في أوكرانيا..

الخيار الثاني، الاستجابة لمطالب لبنان، ايّ التسليم بحقوقه في الترسيم والتنقيب والاستخراج، وهذا الخيار يدفع إليه، رئيس أركان الجيش «الإسرائيلي» أفيف كوخافي ورئيس الاستخبارات العسكرية «أمان» اللواء اهارون حاليفا، ورئيس دائرة الأبحاث العميد عميت ساعر، ورئيس الموساد ددي برنياع ورئيس الشاباك رونين بار، لأنّ عدم الاتفاق مع لبنان برأيهم، «سيدفع حزب الله إلى خطوات تؤدّي إلى تصعيد عسكري وانّ ذلك سيؤدّي إلى عدة أيام قتالية..». ونتيجة البحث خلصوا الى أنه «لن يكون هناك اتفاق تستخرج فيه إسرائيل الغاز، ولبنان لا يستخرج فيه الغاز».

لذلك فإنّ أصحاب القرار في كيان الاحتلال باتوا يرون أنّ تحقيق التسوية الدائمة مع لبنان بالتوصل الى اتفاق هو الخيار الأفضل، ولهذا راحت وسائل الإعلام «الإسرائيلية» تتحدّث عن انّ الاتفاق مع لبنان «أقرب من أيّ وقت مضى ومن المتوقع حتى أن يتمّ التوقيع عليها في غضون بضعة أسابيع، بحسب الوسيط الأميركي ​آموس هوكشتاين​”…

الخيار الثالث، العمل على محاولة تأجيل الاتفاق مع لبنان إلى ما بعد الانتخابات “الإسرائيلية”، كي لا تظهر حكومة لابيد انها خضعت لتهديدات المقاومة وقدّمت التنازلات للبنان، وبالتالي يستفيد من ذلك نتنياهو في الانتخابات.. لكن هذا التأجيل لما بعد الانتخابات قد يضيع الفرصة على الكيان في دخول السوق العالميّة كمصدر للطاقة، عدا عن انّ لبنان الرسمي ومقاومته قد لا يوافقان عليه، وبالتالي تندفع الأمور إلى قيام المقاومة بتنفيذ تهديداتها، أو على الأقلّ قبض ثمن ايّ تأجيل بالسماح للشركات الأجنبية البدء بعمليات التنقيب والاستخراج في الحقول اللبنانيّة، مع عدم قيام كيان الاحتلال بأيّ عمليات استخراج من حقل كاريش ريثما يتمّ الاتفاق الشامل مع لبنان..

لهذا قرّرت حكومة لابيد وبالاتفاق مع الوسيط الأميركي هوكشتاين، تأجيل الاستخراج من كاريش إلى أوائل تشرين الأول المقبل، والعمل على تمرير اتفاق مع لبنان تظهر فيه حكومة العدو بأنها لم تقدّم “تنازلاً” للبنان، حيث تحدثت هيئة البث “الإسرائيلية” عن مقترح “إسرائيلي”، بأن يتضمّن الاتفاق ما أسماه، “تنازل إسرائيل عن مساحة بحرية معينة في عمق البحر، وبالمقابل سيتنازل لبنان عن مساحة بحرية معينة قريبة من الشريط الساحلي”.. طبعاً ذلك مقابل التسليم “الإسرائيلي” بحصول لبنان على كامل خط 23 وكامل حقل قانا وعدم حصول ايّ شراكة في الحقول، لأنّ لبنان يرفض ذلك، واستطراداً رفع الفيتو الذي يمنع الشركات الأجنبية من البدء بعمليات التنقيب والاستخراج في الحقول اللبنانية..

غير انّ هذا المقترح “الإسرائيلي” أو غيره، لم يبلّغ به لبنان رسمياً، وهو بانتظار مجيء الوسيط الأميركي أواخر هذا الأسبوع حاملاً الردّ “الإسرائيلي” خطياً على الشروط اللبنانية التي أبلغت سابقاً لـ هوكشتاين ونقلها إلى الجانب “الإسرائيلي”..

وعليه يمكن القول إنّ دخول المقاومة على خط المفاوضات لترسيم الحدود، عزز موقف لبنان، وأربك كيان الاحتلال، وأجبره مع الوسيط الأميركي على تغيير تعاملهما مع لبنان ومطالبه المحقة والتوقف عن سياسة إملاء الشروط عليه، لا بل وإجبار كيان العدو على:

*إما التسليم بحقوق لبنان والتخلي عن الاطماع الإسرائيلية في ثرواته.

*أو مواجهة تنفيذ المقاومة لقرارها في منع الكيان من استخراج الغاز والنفط، وبالتالي خسارة حكومة العدو الفرصة الذهبية لدخول السوق العالمية كمصدر للطاقة في هذا التوقيت الذي تحتاج فيه أوروبا إلى هذه المادة الحيوية…

 

نداء الوطن