الفكر الصهيوني (أوربا النموذج، واليهود)

 

بكر أبوبكر

الفكرة الاستعمارية الأوربية في كل إفريقيا وآسيا وفي أمريكا شمالها وجنوبها كانت تحمل فكرة تفوق العنصر الأوربي الأبيض فوق ظهرها، وتلوّح بالسيف و"الكتاب المقدس" بصيغته التوراتية هذا يخدم ذاك، وكله ليس فداء للسيد المسيح عليه السلام وإنما لتثبيت الفكر العنصري وقهر الشعوب.

تم قهر الشعوب باستلاب أراضيها وثرواتها وإلزامها بثقافة المستعمرولغته قسرًا وهو ما كان من نتائج الاستعمار جنباً الى جنب مع الحفاظ على الهيمنة الاستعمارية بأشكالها المختلفة حتى بعد زوال الاستعمار العسكري الجغرافي فها هو اليوم يتجلى ثقافيا وفكريا ولغويا وتقانيا.

وفي القول الأمريكي الواضح والمباشروالفعل المتواتر اليوم (القرن 21) عبر فرض أسلوب المعيشة الموحد على العالم، بل وفي محاولة فرض النموذج الغربي وكأنه "القدوة" أو "النموذج" الأوحد والذي لا يرقى إليه النقد ولا يجوز فيه الطعن! فقيمُه هي القيم العالمية وحضارتُه فقط هي "النموذج"، وهو ماكان من أفكار مثل صراع الحضارات أو صدامها (لصموئيل هنتنجتون) الذي رأى أن الحضارة الغربية هي الأمل والمنى في مقابل غيرها وخاصة الإسلامية!، دول المركز والهوامش (لمراجعة كريستيان باولو).

أو دول التقدم والتخلف، أو بالمقابل نظرية دول المركز والأطراف كما تطرق لها د.سمير أمين من حيث (وجود مركز قوي يهيمن على باقي أطراف الكرة الأرضية و هذا المركز تقف فيه قوى عالمية متحالفة استراتيجيا من أجل هدف واحد و هو السيطرة و الهيمنة على كامل دول الأطراف و عدم السماح لها بالانضمام لدول المركز).

استغلال الدين اليهودي

سارت الحركة الصهيونية (سرقت اسم الصهيونية عن جبلنا العربي الفلسطيني في القدس) بين الأفكار الاشتراكية! والتحررية (الليبرالية) فأخذت منها ما يناسب احتلال الأرض وطرد سكانها، فلم تختلف عن صنع الاستعمار الأبيض كثيرًا، وقذفت بأفكار لينين وماركس والعمالية بالجحيم حين كان العمال المهاجرون من اليهود في فلسطين هم الأصل، والذين أصبحت الأرض والدولة وقفًا عليهم حصريًا، فاستفادت الصهيونية من المبنى الاشتراكي بجماعيته دون فكرة شموليته للأعراق، لاسيما والاعتراف السوفيتي (الروسي) بقرار التقسيم، وبالكيان منذ اللحظة الأولى لانشائه.

استفادت الحركة الصهيونية من سيف بريطانيا في فلسطين أولًا ومن الدين اليهودي في جمع عناصر الجذب والالتقاء لمكونات الإثنيات والجنسيات المختلفة ليهود العالم من أوربا وآسيا وغيرها، لتسبغ عليها رابطًا "قوميًا" موهومًا بالحقيقة، فاستأثرت بالرموز مثل اليهودية واسرائيل وصهيون والعبرية، وكأنها شيء واحد وكأنهم وكلاؤها الحصريين أيضًا.

وبالتالي عكست الصهيونية التاريخ التوراتي المشكوك بصحته أو جغرافيته أو دقته- ليعيش بيننا اليوم وكأنه حقيقة قديمة تتواصل حتى اليوم! وبتناسي الخرافة الواضحة والأساطير فيه والمبالغات والاسقاطات كما أشار عديد المؤرخين، أوبتناسي السقوط الجغرافي على واقع فلسطين حسب عديد البحاثة، والى ذلك تناسي آلاف السنين العربية أو الفلسطينية التي سبقت التاريخ التوراتي ذاته، وتلك الآلاف والسنين التي تلته.

يقول الكاتب د.سامح اسماعيل الباحث في العلاقات العربية الإسرائيلية أن: "الصهيونية ظهرت إبان انتشار مباديء التحرر والمساواة في غرب أوربا وأمريكا وهو ما كان يمثل تهديدًا للشخصية اليهودية التي نشأت وتحددت معالمها في المعزَل "الجيتو" الأوربي، ومع استمرار حالة الضغط في وسط وشرق أوربا قامت الصهيونية باستدعاء الموروث الديني وإعادة تقديمه كمبرر لإنهاء معاناة اليهود وأقامة الوطن "القومي" في فلسطين. وساعدت الأحداث السياسية المتلاحقة على ترسيخ فكرة "الوطن القومي" في العقل الجمعي اليهودي كملاذ أخير لليهودي الهائم على وجهه في دروب التيه."

 

الحلقة الثالثة من سلسلة حلقات حول: الفكر الصهيوني بين القهر والخوف

 

 

نداء الوطن