بعد اكتمال الملء الثالث.. ما خيارات مصر والسودان في أزمة سد النهضة؟

 

رمضان وهدان

أثار إعلان إثيوبيا الانتهاء من عملية الملء الثالث لسد النهضة حالة من القلق في دولتي المصب مصر والسودان، وفتح الباب أمام التكهنات بشأن الخيارات المتاحة أمام البلدين للتعامل مع أزمة السد، وتخشى الدولتان من أن السد قد يعطل وصول حصتهما التاريخية من مياه النيل .

وبعثت السلطات المصرية رسالة إلى رئيس مجلس الأمن الدولي، بشأن القرار الانفرادي لإثيوبيا. بالملء الثالث لسد النهضة.

ونصت الرسالة التي بعثها وزير الري والموارد المائية المصري، الدكتور محمد عبد العاطي، إلى رئيس مجلس الأمن الدولي. ووجهها الممثل الدائم لمصر لدى الأمم المتحدة، على أن وزير الري تلقى رسالة حول اعتزام إثيوبيا بقرار انفرادي استئناف ملء سد النهضة الكبير. في موسم الأمطار الحالي، والوصول بمستوى المياه إلى 600 متر في قسم التدفق السفلي للسد.

وأوضح أن هذا القرار يأتي في غياب اتفاق مصر والسودان وإثيوبيا على القواعد المنظمة لملء وتشغيل سد النهضة. ويتجاهل بذلك تجاهلا تاما بيان رئيس مجلس الأمن الدولي الصادر في سبتمبر 2021. ويشكل خرقا ماديا متكررا لاتفاق إعلان المبادئ لعام 2015.

شقوق خطيرة

وأعرب عبد العاطي عن قلقه البالغ، من أن معظم صور الأقمار الصناعية الأخيرة تظهر وجود شقوق. تمتد في الواجهة الخرسانية للسد الفرعي المرتبط بسد النهضة، مؤكدا أن هذا الأمر مثير للجزع بشكل خاص. بسبب فشل إثيوبيا في الامتثال لواجب إجراء دراسات الأثر البيئي والاجتماعي الاقتصادي المطلوبة التي تقع على عاتق إثيوبيا. بموجب القانون الدولي، وتزويد مصر بها، فضلا عن فشلها في تزويد مصر بتفاصيل تصميم المستوى الثاني لسد النهضة.

وجدد وزير الري رفض مصر رفضا قاطعا هذه الانتهاكات المتكررة لالتزامات إثيوبيا بموجب قواعد القانون الدولي السارية. بما في ذلك اتفاق إعلان المبادئ، مشددا على أن بلاده تحمل إثيوبيا المسؤولية الكاملة عن أي ضرر كبير قد يلحق بمصر بهذه الانتهاكات المتكررة.

ويمثل نهر النيل أهم مصدر للمياه العذبة في منطقة قاحلة إلى حد كبير معرضة بشدة للجفاف وتغير المناخ وتشهد نموا سكانيا سريعا. وتعتمد مصر على النهر الذي يبلغ طوله 4000 ميل للحصول على ما يصل إلى 97٪ من إمداداتها ، ويعتمد الكثير من سكان شرق السودان عليه للبقاء على قيد الحياة. وتعول إثيوبيا على محطة للطاقة الكهرومائية بقدرة 5150 ميجاوات في سدها الجديد للمساعدة في توفير الكهرباء ل 60٪ من سكانها الذين لا يستطيعون الوصول إليها، والحفاظ على صناعاتها التحويلية. بدأت المحطة في توليد الطاقة في عام 2022 ، وسيتم بيع بعضها إلى البلدان المجاورة. 

وفشلت الأطراف الثلاثة حتى الآن في التوصل إلى اتفاق، ومن شأن القيام بذلك أن يصب في مصلحتهما المتبادلة، لكن سلسلة من جهود الوساطة التي اجتذبت الولايات المتحدة والاتحاد الأفريقي فشلت في التوصل إلى حل وسط. وجادلت إثيوبيا بأنها ليست ملزمة بالتفاوض مع أي شخص، حتى أثناء مشاركتها في المحادثات. 

وأكدت إثيوبيا حقها في استخدام المياه التي تعبر أراضيها واتهمت مصر بالتصرف كما لو أن لها الحق الوحيد في النيل. وتقول إنها غير ملزمة بشروط معاهدة ثنائية أبرمت عام 1959 بين مصر والسودان قسمت معظم مياهها فيما بينهما. ويدعم مشروع السد والطاقة الكهرومائية، الذي بدأ في عام 2011 ومن المقرر أن يكتمل في عام 2024، حملة التنمية التي يقودها رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، الذي من المحتمل أن يفقد الدعم في الداخل إذا رضخ للضغوط لتأجيل تشغيله.

المياه أمن قومي 

أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقائه أعضاء هيئة التدريس وطلبة الكلية الحربية، السبت، موقف مصر الثابت في شأن ملف سد النهضة وحماية أمن مصر المائي، مشيراً إلى أن مصر تبنت مساراً دبلوماسياً وتفاوضياً تجاه أزمة سد النهضة بهدف إيجاد حل، موضحاً "نحن نتحرك في موضوع سد النهضة ولكن بهدوء وبتفاوض، ودائماً أقول إن الأمور لا تحل بالصوت العالي بل بالقدرة والعمل والصبر، فمياه مصر أمانة في رقابنا كلنا وفي رقبتي، ولن أسمح لأحد المساس بها".

وخلال حكم عمر البشير، قبل السودان تأكيدات إثيوبيا بأن السد سيساعد في السيطرة على الفيضانات وأن السودان سيستفيد من الطاقة المتولدة. ومنذ الإطاحة بالبشير في 2019، انحاز السودان إلى مصر، قائلا إن النيل ملكية مشتركة ويجب التوصل إلى اتفاق قبل ملء السد.

الخيار العسكري

وقللت مصر من أهمية الحل العسكري للمواجهة، حيث صرح شكري في عام 2021 بأن إدارة السيسي ليس لديها مصلحة في القتال مع إثيوبيا. ويرى معظم المحللين أنه من غير المرجح أن يشن المصريون غارة جوية أو أن يتدخل أعضاء مجلس الأمن بالقوة. ووقفت الجامعة العربية إلى جانب مصر والسودان وطالبت بالتوصل إلى اتفاق يحمي تدفقات المياه بينهما. 

وبإعلان إثيوبيا الانتهاء من عملية الملء الثالث يرى خبراء أن خيارات مصر قد تضاءلت واعتبر الخبراء أن ملء خزان بحيرة السد قد يحصنه من أي عمل عسكري أو تخريبي، لأن التدفق الهائل للمياه قد يؤدي إلى نتائج كارثية على السودان الذي يقع على بعد نحو 15 كيلو متراً من موقع السد في إقليم بني شنقول غرب إثيوبيا.

وقال عباس شراقي، أستاذ الموارد المائية والجيولوجيا بجامعة القاهرة، إن قرار العمل العسكري مستبعد منذ البداية، لأن مصر حتى الآن تتبع نهج الحل التفاوضي وليس بسبب عدم استطاعتها القيام بضربة عسكرية، مؤكداً أن الجميع "لا يريد الوصول إلى تلك النقطة ويتمنى التوصل إلى حل تفاوضي".

وأضاف شراقي في تصريحات لـ "اندبندنت عربية" أن اكتمل خزان سد النهضة يصعب الخيار العسكري لكن في ظل التقنيات العسكرية المتقدمة يوجد عدد من الخيارات لاستخدامها عند الحاجة منها، موضحا أن سد النهضة مكون من سدين، أحدهما السد الرئيس الذي يحتجز المياه حالياً، والثاني السد الركامي أو سد السرج وكمية المياه أمامه ما زالت قليلة  وبالتالي فإن توجيه ضربة له ستظل قائمة،  إضافة إلى أنه حتى في حال زيادة الكميات في بحيرة السد فمن الممكن توجيه ضربات دقيقة تسمح بمرور كميات قريبة من التي تمر وقت الفيضان وبالتالي لن يتضرر السودان من هذا التحرك العسكري.

تحصين السد

واختلف معه في الرأي الدكتور نادر نور الدين، أستاذ الأراضي والمياه بكلية الزراعة جامعة القاهرة، ويرى أنه باكتمال الملء الثالث تكون الخيارات المصرية الأخرى قد انتفت نسبياً إذا وصلت المياه خلف السد إلى 18.5 مليار متر مكعب مع نهاية الموسم الحالي للملء بحسب التسريبات الإثيوبية ، وهي نحو 10 مليارات هذا الموسم تضاف إلى 3 ملايين من العام السابق و5.5 خلال الملء الأول، وهذه كميات هائلة وإن تدفقت بسبب عمل عسكري فقد تؤدي إلى أضرار جسيمة في السودان تصل إلى مدينة الخرطوم، أما في مصر فإن وجود السد العالي ومفيض توشكى يتيح لها استقبال كميات إضافية من المياه من دون أن تتأثر.

وأشار نور الدين إلى سيناريو آخر قد يفتح أملا لمصر في الخيار العسكري خلال الشهور المقبلة، موضحا أن بحيرة السد ستفقد نحو ملياري متر مكعب بسبب التبخر خلال أشهر، إضافة إلى احتمال فقد 10 مليارات متر مكعب نتيجة توليد الكهرباء خلال عام حتى ما قبل الفيضان المقبل في صيف 2023، وبالتالي فإنه قبل الفيضان قد يكون أمام السد نحو 6 مليارات متر مكعب، وتلك الكمية لا تمثل خطورة على السودان أو مصر في حال انهيار سد النهضة أو الإضرار به، مؤكداً أنه بمجرد تنفيذ الملء الرابع العام المقبل فسيكون السد أكثر تحصيناً من ذي قبل.

تعزيز القدرات العسكرية

أعلنت وزارة الدفاع المصرية في مايو (أيار) العام الماضي عن إبرام صفقة مع فرنسا لشراء 30 طائرة مقاتلة من طراز "رافال"، تزامنا مع التوترات مع إثيوبيا حول السد، واعتبر اللواء نصر سالم، الخبير الاستراتيجي المصري، حينها أن الصفقة تعزز قدرات مصر القتالية و"توجه رسالة ردع لكل من يحاول أن يهدد الأمن القومي المصري من جميع الاتجاهات، بما فيها التهديدات من الجنوب المتمثلة في سد النهضة".

 

وأشارت تقارير إعلامية إلى أن طائرات الـ "رافال" تتميز بقدرات قتالية عالية أهمها القدرة على تنفيذ المهمات البعيدة المدى، فضلاً عن امتلاكها منظومة تسليح متطورة وقدرة عالية على المناورة، وتحمل جميع أنواع الصواريخ والأسلحة المتطورة بما فيها النووية و"كروز" المجنحة، إضافة إلى أنها مزودة بخاصية التزود بالوقود في الجو إلى جانب قدرتها على قطع 3700 كيلومتر، وهي مسافة كافية لتنفيذ الهجوم على سد النهضة من دون الحاجة إلى القواعد الجوية السودانية.

دعم أمريكي لمصر

في 25 يوليو الماضي بدأ المبعوث الأميركي الجديد للقرن الأفريقي مايك هامر زيارة إلى القاهرة، حيث التقى مسؤولين مصريين لبحث ملف السد، وصدر بيان عن السفارة الأميركية بالقاهرة بعنوان "التزام الولايات المتحدة بأمن المياه في مصر ودعم تسوية في شأن سد النهضة الإثيوبي الكبير"، عقب ذلك زار هامر إثيوبيا وبحث الملف نفسه مع مسؤوليها، إضافة إلى التباحث حول الوضع في إقليم تيغراي شمال إثيوبيا.

من جانبه أكد الرئيس الأميركي جو بايدن، خلال لقائه نظيره المصري في جدة الشهر الماضي، دعم الولايات المتحدة للأمن المائي لمصر ومساندة جهود التوصل إلى حل دبلوماسي يحقق مصالح جميع الأطراف ويسهم في إقامة منطقة أكثر سلاماً وازدهاراً.

وقال بيان أميركي - مصري مشترك نشره البيت الأبيض، إن "الرئيسين جددا تأكيد ضرورة إبرام اتفاق في شأن ملء وتشغيل سد النهضة من دون مزيد من التأخير على النحو المنصوص عليه في بيان رئيس مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بتاريخ الـ 15 من سبتمبر (أيلول) 2021 ووفقاً للقانون الدولي".

 

نداء الوطن