الفضاء الإلكتروني الإسرائيلي ... ما بين الأمن والتجسس


دائرة المقاطعة في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين

 

Boycott Department in The Democratic Front for the Liberation of Palestine 04/11/0201

مقدمة عامة

تعتبر الحرب الإلكترونية واحدة من أخطر أوجه الحروب الحالية، بعيدا عن المواجهات التقليدية، خصوصا بعد إعتماد الدول على الفضاء الإلكتروني فيما يتعلق بالعمل الإستخباراتي والأمني والعكسري، وقد شهدت بعض الدول هجمات إلكترونية إستهدفت الحكومات والنظام المصرفي، ولكنها إلى الآن لاتزال هذه الهجمات غير مصنفة في القانون الدولي بشكل دقيق إذا ما كانت هذه الأعمال تعد من أركان جرائم الحرب أم لا، ولا يزال مفهومها يشوبه الغموض حتى من المراقبين والخبراء الدوليين.
تتميز الحرب الإلكترونية بالعديد من الخصائص بإعتبارها حروب ذات التكلفة المتدنية، مقارنة بحجم التكلفات العسكرية من تجهيز الجيوش والطائرات، وتجنبها للخسارة البشرية، كما أنها تتميز بسرعة تحقيق الهدف العسكري والأمني عبر الحصول على المعلومات المطلوبة بطريقة سهلة وسلسة، وعلى الرغم من ذلك، تكمن الحرب الإلكترونية في عملية الردع، التي يمكنها أن تعطل أي جهاز صاروخي أو عمل مضاد قبل تحقيق الهدف.
لقد شهد العالم أربعة أجيال من الحروب، البرية، البحرية ،الجوية والفضائية، والآن أصبحنا أمام الحرب الإلكترونية (السيبرانية) التي تعتبر حرب الجيل الخامس، بعد أن أصبح من الممكن إختراق أي جهاز إلكتروني والحصول على المعلومات الذي بداخله، نتيجة ثورة المعلومات والإتصالات وما نتج عنها من تطوير التكنولوجيا على الصعيد العالمي.
إستطاع "الهاكرز" الذين يرفضون ذكر أسمائهم خوفا من الملاحقة القانونية والقضائية، إختراق الأجهزة الإلكترونية والتعرف على محتوياتها عبر خمس طرق وهي:
من خلال عملية الدخول على روابط رقمية تقليدية على مختلف أشكالها، ما ينجم عنه خلل تقني في فترة زمنية محددة.
إرسال كمية كبيرة من الرسائل على البريد الإلكتروني، تؤدي إلى تعطيل قدرة البريد الإلكتروني على إستقبال الرسائل والتعامل معها.
قرصنة المواقع الإلكترونية وإختراق الأجهزة الإلكترونية عبر دخول "الهاكرز" بطريقة غير مشروعة وإستبدال المعلومات الموجودة بمعلومات جديدة لتغيير هويته.
زج الفيروسات على شبكات المعلومات الوطنية والإنترنت من خلال إحداث خلل دائم في الملفات ونظم التشغيل المستهدفة.
هجمات تغرق الموقع الإلكتروني ببيانات غير لازمة، يجري إرسالها ببرامج مخصصة تسبب البطء في الأجهزة الإلكترونية، يصعب على المستخدمين الوصول إليها.
تسارعت الدول الغربية إلى تكوين الجيوش الإفتراضية والتصدي لها، عبر تطوير قدراتها بالقيام بعمليات إلكترونية متطورة وتنظيم وحدات الحرب الإلكترونية، أما في الدول العربية فهناك جهود سرية متعددة، وتحديدا في الدول الخليجية، ومن هنا يتضح أن سباق التسلح لم يعد مقتصرا على الصواريخ والطائرات وعدد الدبابات ونوعية الأسلحة، بل بتطوير الأجهزة الإلكترونية لحمايتها من القرصنة وتحصين مواقعها الإفتراضية الإلكترونية، بعد أن تم الكشف عن العديد من حالات التجسس الإلكترونية، وإختراق شبكات الكهرباء ما يؤدي إلى تعطيلها في زمن الحرب، ونصبح أمام ظاهرة "الأنونيمز".

مدى القوة الإسرائيلية في الفضاء الإلكتروني وأهميته بالنسبة لإسرائيل

إن الحرب الإلكترونية هي من الركائز الأساسية التي تعتمد عليها إسرائيل في أي حرب مقبلة لتحقيق أهدافها الإستراتيجية، ما جعل المؤسسات الإسرائيلية تركز على منظومة الأمن الإسرائيلي بشكل يتوافق مع التطور الذي يشهده الفضاء الإلكتروني، بعد أن لمست سهولة إختراق مواقعها الإلكترونية الحساسة، فقامت بتسخير إمكانيات وموازنات كبيرة لدعم تطوير المشاريع التكنولوجية، حيث عمدت إلى التالي:
أعطيت الوحدة 8200 للجيش الإسرائيلي مهمة التركيز على جمع المعلومات الإستخباراتية والدفاع عنها وصد الهجوم الإلكترونية.
تولى جهاز الأمن الداخلي "شين – بيت" الذي يعتبر أهم وأخطر سادس وحدة تقوم على إطلاق الهجمات الإلكترونية حول العالم، إضافة لتوليه مهمة الدفاع عن الأجهزة الإلكترونية للحكومة الإسرائيلية، إضافة إلى البنية التحتية الإلكترونية المتعلقة بالدولة، لاسيما القطاع المصرفي.
أصبح من مهمة جهاز "C4I" مسؤولية تنظيم القدرات الإسرائيلية في العالم الإفتراضي، وتم تعيين ضابط إسرائيلي برتبة عالية جدا يدعى "ماتزوب" لجمع المعلومات المتعلقة بالقرصنات التي تمتلكها خصوم إسرائيل، والتنسيق بين "شين- بيت" والموساد والجيش الإسرائيلي.
إجراء تدريبات وطنية من قبل معهد الأمن القومي الإسرائيلي للإدارة والمؤسسات الإسرائيلية لرفع حالة التأهب والإستعداد لأي محاولة إختراق أو قرصنة.
أجازت الحكومة الإسرائيلية إنشاء مديرية منظومات المعلومات "مينمار" للتنسيق والتركيز على إتصالات الحكومة الإلكترونية وتتحكم بجميع الإتصالات والحسابات المصرفية للحكومة الإسرائيلية.
قيام وحدة إدارة المعلومات الإسرائيلية وربطها بوزارة المالية الإسرائيلية مهمتها العمل على البنية التحتية للحكومة لصد أي محاولة إختراق أو قرصنة للمعلومات والوثائق التي تعرض في الجلسات السرية.
إستحداث الفريق القومي الإسرائيلي للمجال الإفتراضي ومهمته تحصين الشبكات الإسرائيلية المفصلية ضد القرصنة وحماية القطاع الخاص من هذا المجال.
أعطيت مهمة الرصد الإلكترونية للعالم الإفتراضي إلى جهاز الأمن العام الإسرائيلي "الشاباك" لحماية أجهزتها من أي تهديدات إرهابية أو تخريبية في مجال حماية المعلومات السرية والكشف عن محاولات التجسس.
أطلقت إسرائيل برنامج القبة الحديدية الرقمية وهو تابع لمكتب إسرائيل للحرب الإفتراضية، وهو يقوم على دعم إسرائيل وتزويد بالمعلومات التكنولوجية.
إنشاء هيئة "السايبر" في الجيش الإسرائيلي لتستخدمها هيئة الأركان العامة لتنسيق نشاطات الجيش الإسرائيلي فيما يتعلق بالحيز الإفتراضي والتكنولوجي.
وبناء على دراسة شركة الإستشارات الدولية "ماكينزي"، فإن إسرائيل قد صرفت عام 2009 ما يقارب 50 مليار شيكل لتطوير شبكة الإنترنت والخدمات الإلكترونية، بإعتبار أن ذلك يزيد من الإستثمارات الأجنبية ويعزز من الصناعات الدقيقة، لاسيما أنظمة المعلومات لتسويقها إلى العالم، بهدف دعم الإقتصاد الإسرائيلي الذي يتسم بالركود، إضافة إلى أن الفضاء الإلكتروني هو جزء من الأمن الإستراتيجي لإسرائيل، لكسر العزلة الجغرافية مرورا بإقامة علاقات ودية مع الجوار العربي.

 خرق الفضاء الإلكتروني الإسرائيلي وقرصنة مواقعه الرسمية

على الرغم من كل التدابير والإجراءات والتخطيط الإسرائيلية، إستطاعت مجموعة منسقة من العرب في نيسان 2013 الهجوم على مواقع إلكترونية تابعة لهيئات حكومية إسرائيلية ومؤسسات أمنية وإستخباراتية، هدف هذا الهجوم إلى قرصنة المواقع الإسرائيلية بهدف الرد على السياسة الإسرائيلية الممارسة ضد الشعب الفلسطيني، حيث تكبدت إسرائيل خسائر مادية ومعنوية، أدى إلى إستدعاء الجيش الإسرائيلي والخبراء الإلكترونيين، لمواجهة هذه القرصنة التي لها طابع وتكتيك إستراتيجي يستطيع أن يشل مؤسسات الدولة.
وقد أعادت المجموعة العربية التي قرصنت المواقع الإلكترونية للمواقع الحكومية الإسرائيلية من جديد، حيث قامت بقرصنة إلكترونية للمرة الثانية بالتعاون مع أحد حلفاء "ويكيليكس"، الذي نشر مقطع فيديو على اليوتيوب جاء فيه أن أقوى المخترقين في العالم قد قرروا أن يتوحدوا في كيان واحد تضامنا مع الشعب الفلسطيني ومحو إسرائيل من على الإنترنت، حيث كان هذا الشخص يرتدي قناعا، ويتحدث عن آلية مسح إسرائيل من الشبكة العالمية العنكبوتية، وفضح الخطط المستقبلية الإجرامية، وتحت شعار OpIsrael، إستطاعت المجموعة العربية ضرب إسرائيل في العمق بضربة رقمية موجعة، أثارت قلق الباحثين والخبراء الإلكترونيين، بعد أن إتضح أن المشاركين في هذه المجموعة كانوا من الدول التالية: فلسطين، لبنان، الجزائر، إيران، جنوب أفريقيا، فرنسا، الولايات المتحدة الأميركية، ألبانيا، وكوسوفو، المغرب، تركيا، إندونيسيا، مصر، تونس، السعودية، والأردن وغيرها، وقد نجح هذا الهجوم بإسقاط العشرات من المواقع الرسمية الإسرائيلية، وأضحت غير متاحة على الشبكة العالمية العنكبوتية.
وفي 7 نيسان 2013، أي في ذكرى الهولوكوست، قامت المجموعة العربية بقرصنة المواقع الإسرائيلية للمرة الثالثة، حيث إستهدفت الصناعات العسكرية الإسرائيلية، بما فيها رئيس الوزراء الإسرائيلي، وزراء الدفاع، الإستخبارات، سوق الأوراق المالية، المحاكم الإسرائيلية، شرطة تل أبيب، حزب كاديما، وزارة التعليم، بنك القدس، 20 ألف حساب فايسبوك، 5 آلاف حساب بنكي، وتم نشر بيانات شخصية لأكثر من 5 آلاف مسؤول إسرائيلي و600 ألف مستخدم، ووضع الشعارات والبيانات المؤيدة للقضية الفلسطينية والمنددة بالسياسة الإسرائيلية، وعرض قضية الأسرى والجرائم الإسرائيلية أمام الرأي العام العالمي.
لم تكن القرصنة عام 2013 الأولى من نوعها، فقد سبقتها عدة محاولات ناجحة، ولكنها كانت الأقوى من نوعها، حيث تعرضت إسرائيل لهجوم مشابة عام 2012 خلال الحرب العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة، إستطاع "الهاكرز" قرصنة 100 موقع إلكتروني إسرائيلي و15 موقع إلكتروني لمنظمات كبيرة إسرائيلية، بالإضافة إلى المئات من المواقع التجارية الإسرائيلية، كما نجح مواطن سعودي بإختراق مواقع إسرائيلية كان في التاسعة عشرة من عمره ردا على الإعتداءات الإسرائيلية عام 2008-2009، وكذلك تعرض ألف موقع إسرائيلي لقرصنة من قبل "هاكرز" أتراك.
وقد تمكنت صواريخ المقاومة الفلسطينية من كسر المنظومة الدفاعية الإسرائيلية القائمة على التكنولوجيا بالدرجة الأولى، لاسيما في معركة سيف القدس في أيار 2021، حتى بدأ خبراء وفنيون يشككون بالقدرات التكنولوجية الإسرائيلية، بعد فشل إعتراض القبة الحديدية لصواريخ المقاومة الفلسطينية، حيث إلتجأت إسرائيل للولايات المتحدة الأميركية لإعادة إصلاح القبة الحديدية وتطويرها. وقد حاولت إسرائيل إختراق الجبهة الأمنية والمعلوماتية للمقاومة الفلسطينية إستخباراتيا، ولكنها زادت في فشلها، فقامت بضرب المدنيين والمكاتب الصحفية، والأبراج المدنية، والمستشفيات، دون جدوى، على الرغم من طائرات الإستطلاع والأقمار الصناعية الإسرائيلية الموجهة على قطاع غزة بشكل متواصل لمراقبة فصائل المقاومة الفلسطينية وتحركاتها.
بينما إستطاعت المقاومة الفلسطينية تسجيل إنتصار على الصعيد التكنولوجي في الحرب على غزة بتشرين الثاني 2012، حيث نجحت بـ :
إختراق بث القناتين الإسرائيليتين "الثانية" و"العاشرة"، وبثت عبرها مقاطع ورسائل تهدد قادة الجيش الإسرائيلي، باللغتين العربية والعبرية.
خرقت المقاومة 5000 هاتف خلوي لضباط من الجيش الإسرائيلي، وأرسلت لهم رسائل تحذيرية بضرورة ترك قطاع غزة.
نشر بيانات ومعلومات الضباط والجنود الإسرائيليين في العدوان على قطاع غزة وعناوين إقامتهم، بالإضافة إلى أسمائهم الحقيقية والعسكرية، وأرقام هواتفهم، فضلا عن محاضر إجتماعاتهم السرية مترجمة باللغة العربية.
خلق رأي عام عالمي مؤيد للقضية الفلسطينية وجعل الرواية الإعلامية الإسرائيلية عاريا عن الصحة، ما جعل إسرائيل تقوم بإختراق الإذاعات والتلفزيونات الفلسطينية وتشويش تردداتها.
الحد من إنتشار العملاء والجواسيس، ووضع حد للحرب الإستخباراتية والمعلوماتية التي تشنها إسرائيل تجاه المقاومة الفلسطينية.
كما فاجأت المقاومة اللبنانية (حزب الله) في تشرين الأول 2012 إسرائيل، بعد تمكنها من إختراق الأجواء الإسرائيلية عبر إطلاق طائرات إستطلاع حلقت فوق منشآت حساسة، إستطاعت من خلالها ضرب التقدم التكنولوجي والتقني الإسرائيلي، وكانت الطائرة تصور الأحداث بطريقة مباشرة، وإرسالها إلى المركز للتحكم بها، وإستطاعت من حمل المتفجرات والصواريخ، والتحليق ببعد يترواح بين (1000 و1500) كلم، وتميزت بتمكنها من خرق الرادارات الإسرائيلية، إذ قامت هذه الطائرة بفحص منظومة القبة الحديدية الإسرائيلية.
وفي حرب تموز عام 2006، إستطاعت الطواقم الطبية التابعة لحزب الله من التشويش على الأنظمة المضادة لإطلاق الصواريخ التي كانت على البارجة الحربية الإسرائيلية "حانيت" في بيروت، وإستطاعت بالتشويش الإلكتروني على الصواريخ الإسرائيلية، ما أعطى المقاومة اللبنانية تميزا على الصعيد الإلكتروني، كما جندت المقاومة اللبنانية خاصية "google earth" في تحديد أهدافها بدقة، وأعادت ذلك عام 2011، بعد تمكنها من إسقاط طائرة إستطلاع إسرائيلية فوق الأراضي اللبنانية، حيث إدعت إسرائيل أن هذه الطائرة أصابها خطأ تقني.

الصراع العربي – الإسرائيلي في ظل حرب الفضاء الرقمي

تعول إسرائيل كثيرا على التكنولوجيا والتقنيات الحديثة، بل تطمح لكي تكون عاصمة للتكنولوجيا على المستوى العالمي، لكن خرق الفضاء الرقمي الإسرائيلي من قبل بعض الشباب العربي والمقاومة الفلسطينية واللبنانية، دفعت إسرائيل للعمل على حماية فضائها الإلكتروني، حيث بادرت بتطوير منظومتها الدفاعية الإلكترونية، لكنها فشلت أمام الرشقات الصاروخية التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية، فأطلقت منظومة "العصا السحرية" لإعتراض الصواريخ الأكثر تطورا من القبة الحديدية، وذلك بالتعاون مع الولايات المتحدة الأميركية، وقد أطلقت إسرائيل العديد من الأقمار الصناعية في الفضاء الخارجي، للسيطرة على المعلومات، وأصبحت تمتلك العديد من المشاريع والمبادرات العلمية والتقنية التي تخولها التصدي للهجمات الإلكترونية.
أما في العالم العربي، فتغيب نسبيا الرؤى المستقبلية للواقع التكنولوجي، وتتدنى أهميتها بالنسبة للحكومات العربية، ما أدى إلى غياب التخطيط، ومن هنا يمكن إعتبار أن الحكام العرب قد أخطأوا بتركيز سياستهم على المسألة الإقتصادية، لأن ثورة التكنولوجيا والمعلومات هي التي تقوي إقتصاد الدولة.
وقد بادرت الإمارات بإنشاء هيئة تعنى بشؤون الأمن المعلوماتي وتعرف بإسم الهيئة الوطنية لأمن الإنترنت، في ظل تصاعد وتيرة الحروب الإلكترونية والرقمية، لكن تبقى الأهمية الكبرى لنظرة الشباب العربي والتيار الشعبي العربي، وكل القوى المناهضة لإسرائيل في خوض أو صد أي هجوم أو إعتداء إسرائيلي، وإستعدادهم لخوض أي معركة إلكترونية، لما يمتلكونه من كفاءات على الصعيد التكنولوجي، والذين سبقوا الحكام بأفكارهم وتتطلعاتهم.
مازالت تمارس إسرائيل إرهابها الفكري والمعلوماتي وتلمح إلى إستعدادها لخوض حرب إلكترونية، لكن للشباب العربي أهمية كبرى على الصعيد الإلكتروني، بإعتبار أن الفضاء الرقمي هو سيف ذو حدين، حيث إستخدمه الشباب في الثورات العربية بعيدا عن أجهزة الرقابة الحكومية وتحديدا في الشرق الأوسط، بسبب عدم إمتلاكها للوسائل الكافية لضبط الأمور، لذلك يجب إستغلال هذه المعرفة التقنية وتصويبها للعدو الإسرائيلي.

المسؤولية الدولية المترتبة على حرب الفضاء الرقمي

مع تطور أساليب الحروب، تطورت معها منظومة القوانين الدولية، حيث أن تطور الوسائل التكنولوجية وإستخدامها في الحروب العسكرية، فرضت تحديا قانونيا حول مدى إمكانية تطبيق القانون الدولي الإنساني، إذ لم تذكر إتفاقيات جنيف الأربعة ولا بروتوكولاتها أي شيء من الحروب السيبرانية بإعتبارها كانت غير موجودة، ما أدى إلى إجتهاد فقهاء القانون الدولي حولها، ولكنها وجدت صعوبة كبيرة لأن الدول لا تعلن عن تبني هذا النوع من الحروب، فأصبح هناك صعوبة في تطبيق القانون الدولي الإنساني وتحديد المسؤولية القانونية والدولية، على الرغم من الجدل الواسع الذي دار بين الفقهاء القانونيين، فمنهم من إعتبر أن إذا الهجوم السيبراني وقع في نزاع مسلح يدخل في القانون الدولي الإنساني، بينما ذهب البعض إلى أن حق الدول في الدفاع عن نفسها بأي وسيلة كانت إذا تعرضت لأي هجوم، تتيح لها الدفاع عن نفسها بموجب المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة.
أما المبدأ الثاني، فقد أشار إلى ضرورة التمييز بين الهجوم السيبراني إذا إستهدف مدنيين أو عسكريين، بإعتبار أن الجانب الأكبر من الهجوم السيبراني يقع على القطاعات الأمنية والإقتصادية والزراعية والصناعية، ولا تقتصر على القطاعات العسكرية.
من هنا يتضح أن المسألة تتعلق بالفضاء الإلكتروني حيث من الصعوبة إثبات المسؤولية عن الهجمات، وبذلك تجعل المسألة خارج نطاق المساءلة القانونية، على الرغم من وجود بعض الإتفاقيات الدولية ولكنها لم ترق إلى الآن لتنظيم الحروب والهجمات الإلكترونية، مثل إتفاقية المجلس الأوروبي المتعلقة بالجريمة السيبرانية عام 2001، المعروفة بإتفاقية بودابست لمكافحة جرائم الفضاء الإلكتروني، حيث تضمنت في بنودها الجزاء الواجب على المتهم إذا أثبت أنه إرتكب أي نوع من الجرائم والحروب الإلكترونية.
كما نص قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 121/56 في كانون الثاني عام 2002، على مكافحة إساءة إستعمال التكنولوجيا، وفي عام 2013 صدر دليل "تالين" والذي وسم بأنه دليل بشأن القانون الدولي المطبق على الحروب السيبرانية، وأهم ما جاء فيه هي القاعدة 37 التي حظرت توجيه الحروب السيبرانية على المدنيين والبنى التحتية.
ليس هناك إرادة دولية لتنظيم الهجمات في الفضاء الرقمي على الصعيد القانوني، ولا على صعيد المفاوضات، ولم يدرج على جدول أعمال مجلس الأمن، ويتضح أن القانون الدولي الإنساني تحدث عن قانون الحرب التقليدية ولم يتناول الحروب السيبرانية.

إستراتيجية مواجهة حرب الفضاء الرقمي الإسرائيلي

تكمن مواجهة حرب الفضاء الإلكتروني عبر وجهين، الجانب التقني والإلكتروني والجانب القانوني، فيجب التقدم على الصعيد التقني والتقدم المستمر في هذا الشأن للحد من الهجوم الإلكترونية، وهي عن طريق "firewall" والبرامج المضادة للهجمات الإلكترونية من خلال الفيروسات "antivirus" وأنظمة كشف التسلل IDS"، وكذلك العمل على نسخ إحتياطية وتقسيم الشبكات، والتشديد على بيانات الدخول.
أما على الصعيد القانوني، فقد جاءت التشريعات الوطنية قيما يتعلق بالهجمات السيبرانية متفاوتة، ولا تتلاءم مع مستوى الجرائم الإلكترونية التي زادت كثيرا في الآونة الأخيرة، لذلك يجب إعتماد الإستراتيجية التالية:
الإعتراف بالفضاء الرقمي كمجال عمل على الصعيد الوطني والدفاع عن أي هجوم يخترق فضاء الدولة.
تأسيس مؤسسة وقيادة مركزية للدفاع عن الفضاء الالكتروني على المستوى الوطني.
وضع البنى التحتية الحيوية وأنظمة الأمن في قمة الأولويات، وفي الوقت نفسه القيام بالدفاع عن مركبات أخرى، مثل الدفاع عن المعلومات في الجامعات ومراكز الأبحاث والدفاع عنها.
– بناء نظام دفاعي دينامي وشامل في الفضاء الالكتروني مثل النظام الذي أقامته وزارة الدفاع الأميركية.
– التعاون الدائم في مجال الفضاء الالكتروني بين القطاع الحكومي والقطاع الأمني والقطاع الخاص.
– التعاون مع دول أجنبية بشأن الفضاء الالكتروني، وخاصة الدول الحليفة.
سن قوانين خاصة بالفضاء الالكتروني والقيام بتطبيقها على أرض الواقع.
مساعدة الجمهور العام في زيادة الوعي بالفضاء الالكتروني وتطوير قدراته في الدفاع في هذا المجال، ومنح محفزات للشركات وألافراد لشراء برامج دفاع، وزيادة الرقابة على شركات الحماية.
– استعمال الوسائل والأجهزة التكنولوجية الأكثر تطورا المتعلقة بالفضاء الالكتروني.
بلورة وتطوير سياسة ردع وطنية، بما في ذلك قدرة الرد المباشر ضد من يهاجم الفضاءالالكتروني الوطني، وإلحاق الأذى به، وهذا الأمر من مهام المؤسسة الأمنية الوطنية.
أهمية المقاطعة التكنولوجية لإسرائيل... " نموذج بيغاسوس"

تستخدم إسرائيل الفضاء الرقمي والتكنولوجي بهدف التجسس ليس فقط على العالم العربي، بل على الدول الأوروبية، كما دل على ذلك التحقيق الذي أجرته 17 مؤسسة إعلامية دولية من بينها "le monde" الفرنسية و" Süddeutsche Zeitung الألمانية، The Guardian" البريطانية و"واشنطن بوست" الأميركية، بالإضافة إلى منظمة العفو الدولية.
وقد أظهر التحقيق أن شركة "NSO" الإسرائيلية، إخترقت ما لا يقل عن 180 صحفيا، و600 سياسيا، و85 ناشطا حقوقيا، و65 رجل أعمال، من خلال التجسس عبر برنامج "بيغاسوس"، بالإضافة للعديد من رؤساء الدول العربية والأوروبية.
تأسست شركة "NSO" الإسرائيلية عام 2010، ويعمل فيها حوالي 500 موظف، حيث تعمل هذه الشركة على تسويق نظام "بيغاسوس" المتورطة في إنتهاك حقوق الإنسان بالتعاون مع الأجهزة الأمنية كما أشار "سيتيزن لاب" المختبر الكندي لمراقبة الإنترنت.
يعتبر نظام "بيغاسوس" من أنظمة التجسس الأخطر لذلك هو باهظ الثمن، إذ تطلب الشركة 650 ألف دولار لإختراق والتجسس على 10 أجهزة فقط، إضافة إلى 500 ألف دولار لتثبيت البرنامج، وقد تعرض العديد من الناشطين في حقوق الإنسان لإختراق هواتفهم من خلال نظام "بيغاسوس".
إن نظام "بيغاسوس" يعمل أولا على نظام "مسح" للمعلومات، ثم يثبت الوحدة الصرورية لقراءة الرسائل والإستماع إلى المكالمات، إلتقاط صور الشاشة، سحب سجل الإتصالات، وجهات الإتصال، وكذلك يشغل الكاميرا والميكروفون وإزالة الملفات ومعالجة البيانات، وفك الشيفرات.
إنتشر نظام "بيغاسوس" في 45 دولة، و17 دولة عربية هي: الجزائر، البحرين، مصر، العراق، الأردن، الكويت، لبنان، ليبيا، المغرب، عمان، فلسطين، قطر، السعودية، وتونس والإمارات، حيث تم التجسس من خلاله على رؤساء الدول العربية والأجنبية، والناشطين في مجال حقوق الإنسان، إضافة إلى السياسيين والصحفيين...
لذلك، تكمن أهمية المقاطعة التكنولوجية الإسرائيلية، التي تهدف إلى التجسس على الأمور الخاصة وتقديم تقارير أمنية إلى الموساد الإسرائيلي إضافة إلى الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، بهدف قمع الحريات وحرية الرأي والتعبير. .


خاتمة

إن إهتمام إسرائيل في الفضاء الإلكتروني هو بهدف إنشاء جيوش قادرة على الهجوم من مكانها، وخرق مؤسسات الدول المعادية لها، لتصبح دولة إستراتيجية لا يمكن الإستغناء عن صناعاتها، فأصبحت تشن هجوما إلكترونيا شبه يومي، لتثبت تقدمها على الصعيد التكنولوجي.
يمكن القول أنه تغير مفهوم العميل الذي كان يتجسس على الوطنيين والسياسيين، وأصبحنا أمام الفضاء الإلكتروني والرقمي الإسرائيلي الذي يستطيع إختراق كل فرد منا، بهدف تحقيق غاياته، وأصبحنا عملاء على أنفسنا دون أن ندري.
يجب التركيز على المجال الإلكتروني في الدراسات العربية لاسيما في مجال الدراسات الأمنية والأكاديمية، للتصدي لأي عدوان سيبراني من إسرائيل.


إعداد : دائرة المقاطعة
في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين

 

نداء الوطن