الدكتور محمد صالح الشنطي يكتب : ركِوب الموجة انتهازية سياسية و تردٍ أخلاقي

ركِوب الموجة انتهازية سياسية و تردٍ أخلاقي

الدكتور محمد صالح الشنطي  

    عرين الأسود ، هذه الكتائب المناضلة التي أفهمت الصهاينة أنّ للصبر حدوداً و أن الشعب الفلسطيني كغيره من الشعوب ذات التاريخ و الحضارة لا تركن إلى الذّل و لا تقبل بالمهانة ، والحقيقة التي غابت عن الكثيرين ممن غسلت أدمغتهم الدعاية المضلّلة التي بثّها الحاقدون عبر أسطول من منابر الدعاية الموجّهة ضد المناضلين من الروّاد الأول الذبين شقّوا الطريق أمام الثوّار و المجاهدين ، لم يسألوا أنفسهم كيف ظهرت (عرين الأسود) بأبطالها الذين زلزلوا لأرض تحت أقدام المحتل وبدأوا يقلبون المعادلة العسكرية و السياسيّة ، نسأل هؤلاء الذين اتخذوا من التنسيق الأمني قميص عثمان خنجراً يطعنون به ظهر السلطة الوطنية و حركة فتح ، وكيف يمكن لعرين الأسود أن تتشكّل أمام أعين الأجهزة الأمنية الفلسطينية لو أن السّلطة الفلسطينية تنسّق مع الاحتلال ؟ ولم يسألوا أنفسهم لماذا كان الشهداء الذين سقطوا أغلبهم من فتح و الأجهزة الأمنية ؟ و لم يكلّفوا أنفسهم النظر في الفيديوهات العديدة المنشورة في اليوتيوب عن تصدي قوات الأمن الفلسطينيّة لجيش الاحتلال لمنعه – – رغم طاقتهم المحدودة و أسلحتهم الخفيفة – للعدو في مختلف المحافظات ؛ ولكن حينما يتعدّى المهاجمون ا لمتخندقون في عشرات الدبابات الألاف فإن مواجهتم تكون لوناً من ألوان الانتحار الذي لا يقدم عليه عاقل.

 المؤلم أن يأتي من يركب الموجة ويستغل هذه الظاهرة الجديدة ليجيّرها لحسابه الخاص بعد أن انكشف أمام الملأ عارياً سياسياً وأخلاقيّاً ، والأشد إيلاماً أن تستغلّ بعض القيادات التي لم تنجح في انتخابات اللجان القيادية لتقزيم دورها و مكانتها السياسية لتتحول إلى بوق للطابور الخامس مستثمرةً رصيدها الإعلامي في الإشارة إلى ضعف السلطة متناغمة مع مزاعم العدو ، وهي تعلم علم اليقين أن المسألة ليست كذلك؛ فالسلطة الوطنية التي يمكن أن ننتقدها بقسوة في بعض شؤونها بلا أدنى حرج ؛ ولكننا نقرّبكل قوة شجاعتها و جرأتها في مواجهة العدو الذي يحاصرها سياسيّاً و عسكريّاً واقتصادياًّ ؛ فهاهو رئيس الوزراء يتحدّى العدو ويعلن عن أنه جاء ليتلقّى العزاء في شهداء جنين فتنهال عليه الاتهامات و الشتائم و التحريض هو والرئيس و وزيرة الصحة التي أعلنت اعتزازها بالشهداء من الحكومة المتطرفة في الأرض المحتلة ؛ و بعد هذا كله يأتي من غُسلت دماغه ليردد اتهاماته التي حفظناها عن ظهر غيب (التنسيق الأمني و دايتون) متجاهلاً الدور التخريبي الذي نهضت به بعض القوى متيحة المجال لإجهاض ماكان يمكن أن نجنيه من حصاد أوسلو التي كانت حصيلتها الأولية مُبشّرة (نصف مليون عائد) وجيش وطني تحت التأسيس ومؤسسات دولة وطريق آمن بين جناحي الوطن و مطار و ميناء تحت التأسيس و تسلّم للأرض وحكومة واعترافات دوليّة وهكذا ، وكان عقدها يعول على حكمة سياسية مفادها أن أي تراجع للمعتدي مهما كان محدوداً يعني نهايته كما سمعتها من الأخ عثمان أبو غربية (رحمه الله) أثناء لقائي به في مدينة الزهراء عام 2000وهو ما شجع المتطرفين على اغتيال رابين عرّاب هذه الاتفاقية ، و لكن للأسف نسمع مغالطات حولها من سياسيين كبار نظروا إليها من زاوية واحدة دوجمائية نظرية ،و قد ركبوا موجة المعارضة ظنّاً منهم أنها تجعلهم مناضلين أحراراً.

لقد عمل – من انكشفت أوراقهم و افتضح أمرهم – على ركوب موجة التهليل لظاهرة عرين الأسود النبيلة التي نتوقع من خلال التجربة التاريخية التي مرت بها القضية الفلسطينية أن يكون هناك مندسّون يحاولون تخريبها واستثمار منجزاتها و العمل على تقويضها مستغلين ما تتمتع به من حصانة شعبيّة وهذا ما شهدته رام الله في الفترة السابقة .

     حذارِ من ركوب الموجة من ثلاثة أطراف : الخصوم السياسيين الذين عملوا على الاغتيال المعنوي للزعامة الوطنية (الانقساميون و المنتفعون والعملاء و الانتهازيون) ثم شبكات المخابرات الأجنبية المعادية ، ثم الطابور الخامس الذين يتظاهرون بالوطنية و يغرسون خناجرهم المسمومة في ظهر المشروع الوطني .

 و لا يعني هذا أن السلطة الوطنية مبرّأة من كل عيب ، ولكنها تعمل جاهدة في ظل حصار العدو لها و محاربتها ، فقد يكون بعض من انتمى إليها يسيء إليها بقصد أو بدون قص، د و قد تكون قدارتكبت بعض الأخطاء الإدارية و السياسية والإعلامية ، ولكن يصدق عليها قول الشاعر :

 رمَوه في اليم مكتوفاً وقالوا له حذارِ حذارِ أن تبتلّ بالماء.

د. محمد صالح الشنطي 

 26/10/2022م

 

نداء الوطن