"فتح" بين التناقضات وهدير العاصفة.

نداء الوطن -

 

بكر ابوبكر

عندما تشكلت "العاصفة" جناحًا عسكريا ل"فتح" استكثروا عليها ذلك، واتهموها جماعات وأنظمة وشخوص فاشلة. وعندما كانت الدوريات الفدائية تقطع الشريعة بالآلاف، ولاتتوقف، ركنوا هم للدِعة ومدوا أصابع الاتهام، وناموا في حضن خيبتهم!

وعندما كانت "الكاتيوشا" تقصف بلا هوادة لم يصدقوا! وحتى عندما خاضت الحركة العمليات العسكرية بأشكالها المتعدة، وبالمئات على امتداد مساحة الوطن، بل والعالم كانوا مأزومين!

وفي ظهيرة يوم قائظ بانت أنياب ثوار "الفهد الأسود" فانزعجوا، فما ل"فتح" والفهود!  

وعندما ظهرت "كتائب شهداء الأقصى" تلوّح بعلم فلسطين للبطل ياسر عرفات المحاصر في المقاطعة، تفاجئوا وبعضهم ماتوا كمدًا لاعتقادهم أن الحركة ذابت، وكادوا يغسلون أيديهم منها.

وعندما ظهر المقاومون الفتحويون الأشاوس في: عين الحجلة وباب الشمس وقرية العودة والخان الأحمر ومسافر يطا.....الخ لم يصدقوا، فزاغت عيونهم وامتلأت نفوسهم غيظًا وربما حقدًا!

عندما قاوم الأبطال الاعتداءات الإرهابية الصهيونية على المسجد الأقصى والقدس وانتصروا في معركة البوابات الالكترونية، ومعركة الشيخ جراح و معركة سلوان المفتوحة وغيرها، خافوا من نفوذ الحركة الشعبية وتوجّسوا من نفوذ الجماهير التي تقاوم بيديها العاريتين.

يسطّر الفلسطينيون وأبطال الحركة يوميًا معارك الدفاع المتصلة في مقاومتهم الشعبية الفذة في كفر قدوم، وفي النبي صالح وفي نعلين وبلعين، وفي المعصرة-بيت لحم، وغزة، والخليل، وقُصرة وبيتا...الخ، لايكلّون ولا يملّون فهم دائبون مثابرون.

وذوي العقول الخفيفة، أوالجهلة والحمقى والمأجورون يكذبّون ويشكّكون، ويكتئبون، أويتعجلون النتيجة! وينظرون من تحت أغطيتهم الدافئة فقط، أو من خلف شاشات جوالاتهم البراقة.

عندما صعدت الأسود تزأر من جبل الجرمق في الجليل، ثم من جبل العاصور في سلواد كانت معركة قلعة الشقيف، وكانت"عيون الحرامية" في رام الله شاهدًا حيًا. وكان البطل فادي وشحة ينطلق من جامعة بيرزيت عملاقًا ثائرًا وأخوته الطلبة من كل الجامعات بالوطن مع طابور الشهد.اء.

تتحدى عصابات المستوطنين الإرهابية المنفلتة، وجيش الإرهاب الصهيوني خرجت الأسود من عرينها من فوق جبال فلسطين في الخليل ونابلس وجنين وبيت لحم وغزة ورام الله فانزعجوا!

فكيف لجنين أو نابلس أو غيرهما أن تودع أقمارها الستة أو السبعة أو أكثر، وهم من ماء الفتح، ماء فلسطين الزلال قد شربوا؟ لا يعقل!

اندهشوا قائلين: ما لهم والحركة، مالهم و"فتح"؟ وما لهم والقتال والثورة والمقاومة؟ وسيظلون يتفاجئون وينزعجون لأنهم لا يفهمون عمق الرعب الذي يصيب المعتدي حين لا يستطيع الإمساك بتلابيب الحركة المتشحة بلون التراب أبدًا فتقبل كل الألوان، فيعلن الخوف الأبدي منها. إنها حركة المستحيل والمفاجآت القاهرة والتضحية والنَفَس الأصيل.

في حركة "فتح" مساحة واسعة للحِراك والإقدام والهدير، لا يراها العاجزون أبدًا،. وما يقف عندها الآخرون من الحاقدين الأبديين أوالإقصائيين الشتامين مبهوتين عاجزين عن الفهم!

إن في "فتح" ما يتيح لمن يريد التطور أو التقدم أوالانجاز ألا يمنعه شيء من الموانع أو العوائق الكثيرة، وفيها من الاستغلاليين ضيّقي الأفق ما لا يساوون عندي أوعندك شروى نقير!

دعهم، وتقدم على جبهة النضال الميداني الشعبي، أو على جبهة الرواية والتاريخ والعلم والفكر والثقافة، وخُض نضالك بالسيف أوالريشة والقلم والعود والكمنجة أولوحة المفاتيح سيّان ما دمت مؤمنًا مخلصًا مثابرًا ذو إرادة فعل. أو انتصر لشعبك وقضيتك على جبهة الإعلام والصوت الصدّاح، أو على جبهة العمل السياسي والدبلوماسي. فأنت لست موظفًا لدى أحد، لأن فلسطين هي سيدتك فقط الى أن يرث الله الأرض وما عليها.

ما دمت في "فتح" فإن الباب مفتوحٌ للابداعات. وإن وجدته مغلقًا انشغل بباب نفسك (ذاتك) افتحها فهي الأولى دومًا، أو قد تختار أن تخلخِل الباب أو تدقه او تخلعه.

إن حركة "فتح" يا سادة، وكما قلنا كثيرًا –في كتبنا ومقالاتنا ومحاضراتنا-قد تراها مجمع للتناقضات من الأمور في شخوص مختلفة متعددة، تباينت ما بينها التجارب المتنوعة والرؤى الثورية العظيمة، وبين تلك العقلية الوظيفية الانتهازية اللئيمة، وهي الى ذلك تنشد الوحدة في ظل صراع التناقضات.

أحيانًا لا تجد للحركة من رابط سوى البرنامج السياسي، وحين يُلقى به جانبًا، ويتعملق الاستبداد والفردية يكون النظام الداخلي هو السيد، وحين يتم تجاوزه تجد الشخصية الكليّة، الإطار، "شخصية" اللجنة المركزية جامعة للتناقضات أو الاختلافات في بوتقة واحدة بوتقة فلسطين؟! غريب!

وما الغرابة في ذلك؟ والمجتمعات عامة فيها الصالح والطالح في صراع لا ينتهى، وهكذا هي فتح إبنة مجتمعها، بنتُ فلسطين وأم فلسطين وشبيهة فلسطين.

وحين لاتجد من النظام أو البرنامج أو الشخصية الكلية جامعًا يبرز القادة القدوة الكبار جامعين للأشتات في المركز أو الهوامش، وظاهر التناقضات، قاهرو الاختلافات. فلا خلاف يظهر عند حدود ما يصلُ صوت أبوإياد الجهوري، أو صوت خالد الحسن العقلاني والعميق، أو حين يرفع أبوجهاد يده لتنفرج أسنانه عن ابتسامة المناضلين مع هدير العاصفة، أو مع شعارات الخالد ياسر عرفات التي لا تموت.

بعضهم يكتئب عندما نكتب عن بعض مساويء وإخفاقات سياسات أو مواقف حركة "فتح" غير الصائبة برأينا، أو ناقدين مواقف أو تصريحات بعض رجالها الشائخين، أو حين نوصّف الانتهازيين والمتسلقين والأنانيين والمتسلطين، لماذا؟ لأن هؤلاء الأطهار بالحركة أو محبيها الحالمين يفترضون العيش في جمهورية أفلاطون الفاضلة، لكنهم ينتكسون وقد يخرجون، فيغمدون السيف وينكفئون في منازلهم.

إن الذين يرون "فتح" تنظيمًا مستسلمًا أوخانعًا بكليّته في توصيف أبدي حاسد(ويبدأون بتعداد الشتائم والاتهامات والطعونات الفاحشة التي لا يتخلون عنها حتى لو طّوبت فتح حركة قديسين) يبهتون وينزعجون، ويحقدون، وعليه يأبون الاعتراف بالحقيقة الساطعة كالشمس حينما يرون أبناء هذه الحركة العملاقة دومًا في الصفوف الأولى من المواجهة والثورة والنضال والمقاومة أينما كان موقعهم.

في حركة فتح تجتمع المختلفات والمؤتلفات في بوتقة واحدة، فإن لم تجد لها مما سبق (البرنامج، النظام، الشخصية، القدوة) رابطًا فإن فلسطين هي الرابط الأكبر، وهي التي يُقسم من أجلها الفتحويون (أقسم بالله العظيم أن أكون مخلصًا لفلسطين) وليس من أجل الفتح أبدًا، فالإناء (فتح) في خدمة سيده يتسع ويستوعب، وسيدة فتح بلا منازع هي فلسطين ولا غيرها.

 

 

نداء الوطن