حتى لا تضيع المروءة بين الناس

المجموعة: مقالات كتب بواسطة: نداء الوطن
نداء الوطن - بكر ابو بكر
 
 
بكر أبوبكر
في المروءة العربية تذكر المصادر هذه القصة الجميلة: كان هناك رجلٌ تاجر كريم حسن الخلق يركب فرسًا ويسير في دروبٍ من الصحراء منتقلاً من مكان إلى مكان، وفي إحدى سفراته وهو بالصحراء اعترضه رجلٌ ضعيف الحال رثُّ الثياب يستنخيه ويستنجده ويطلب منه أن يحمله وينقله معه؛ فكانت شهامة الكرم وحسن الخلق داعيان له إلا أن ينزل عن فرسه ثم يعين ذلك الضعيف؛ حتى يرقى فوق الفرس بدلاً منه، فما إن تمكّن الرجل من ركوب الفرس حتى تغيّر ثم انطلق بالفرس وترك الرجل قاصداً سرقه الفرس.
وإذا بالتاجر يصيح ويقول: يا هذا، توقف وإسمع مني ولك الفرس ولن اطالبك به، فقط إسمع مني ما أريد ان اقول!
فتعجب الرجل وتوقف ليسمع ماذا يريد التاجر أن يقول له.
فقال له التاجر: فقط اطلبك أن لا تخبر الناس بما جرى بيننا.
فقال الرجل (السارق): ولماذا أتخشى أن يلحقوا الخزي بك عندما يسمع الناس بما حدث؟
فرد التاجر: لا ولكن حتى لا تضيع المروءة بين الناس فلا يقف أحدٌ لمحتاج أو عابر سبيل إن سمعوا بما حدث بيننا!
ويتكلم ابن القيم عن حقيقة المروءَة فيقول: حقيقتها: ((اتصاف النفس بصفات الإنسان، التي فارق بها الحيوان البهيم والشيطان الرجيم، فإنَّ في النفس ثلاثة دواع متجاذبة:
1- داع يدعوها إلى الاتصاف بأخلاق الشيطان، من الكِبر، والحسد، والعلو، والبغي، والشرِّ، والأذى، والفساد، والغشِّ.
2- وداع يدعوها إلى أخلاق الحيوان، وهو داعي الشهوة.
3- وداع يدعوها إلى أخلاق الملك: من الإحسان، والنصح، والبرِّ، والعلم، والطاعة.
فحقيقة المروءَة: بُغضُ ذينك الداعيين، وإجابة الداعي الثالث (اخلاق الملك)، وقلة المروءَة وعدمها: هو الاسترسال مع ذينك الداعيين (أخلاق الشيطان وأخلاق الحيوان)، والتوجه لدعوتهما أين كانت، فالإنسانية والمروءَة والفتوة: كلها في عصيان الداعيَيْن، وإجابة الداعي الثالث))، ولعلنا نرى المتملص والكذاب والحاقد من الفئة الاولى (جماعة الشيطان)عند ابن القيم.
وحقيقة المروءة حسب كتاب مدارج السالكين في منازل السائرين لابن القيم الجوزية: تجنُّب الدّنايا والرّذائل، من الأقوال والأخلاق والأعمال.فمروءة الإنسان: حلاوته وطيبه ولينه، واجتناء الثِّمار منه بسهولةٍ ويُسرٍ.ومروءة الخُلق: سعتُه وبسطُه وبذلُه للحبيب والبغيض.ومروءة المال: الإصابة ببذله مواقعَه المحمودة عقلًا وعرفًا وشرعًا. ومروءة الجاه: بذلُه للمحتاج إليه.ومروءة الإحسان: تعجيله وتيسيره وتوفيره، وعدم رؤيته حالَ وقوعه، ونسيانه بعد وقوعه. فهذه مروءة البذل.
وقال أبو فِراس الحمداني: الحرُّ يصبِرُ ما أطاق تصبُّرًا /في كلِّ آونةٍ وكلِّ زمانِ
ويَرى مُساعَدةَ الكِرامِ مُروءةً / ما سالَمَتْهُ نَوائِبُ الحَدَثانِ.