آفاق مفاوضات ترسيم الحدود البحرية والشرط «الإسرائيلي» الجديد الملغوم…!

المجموعة: مقالات كتب بواسطة: نداء الوطن

 

حسن حردان
دخلت المفاوضات غير المباشرة بين لبنان وكيان الاحتلال «الإسرائيلي»، مرحلة حساسة وفاصلة في آن، سيتقرّر معها ما إذا كان بالإمكان ان يحصل اتفاق كامل حول ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وفلسطين المحتلة، وبالتالي البدء بعمليات الاستخراج في حقل كاريش من الجانب «الإسرائيلي»، والتنقيب في الحقول اللبنانية بعد رفع الفيتو عن الشركات الأجنبية.. او انّ هذا الاتفاق، الذي أبلغ الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين بنوده الأساسية للجانب اللبناني خلال زيارته الأخيرة، سوف يتعرقل الشروع في تحويله إلى صيغة مكتوبة ومن ثم التوقيع عليه في الناقورة، بسبب الشرط الجديد الملغوم، الذي طرحه الجانب «الإسرائيلي» والذي يتمثل بمطالبة لبنان قبول بقاء منطقة العوامات البحرية تحت السيطرة «الإسرائيلية»، وهي المنطقة التي تقع داخل الخط 23 الذي يطالب لبنان بأن يكون هو الحدّ الفاصل للحدود البحرية، الأمر الذي إذا ما قبل به لبنان سيعني تقديم تنازل سيؤثر في ما بعد على ترسيم الحدود البرية التي من المفترض انها محدّدة باتفاقية عام 1923 باعتبارها الحدود الدولية بين لبنان وفلسطين…

والأسئلة التي تطرح في هذا السياق هي:

ـ لماذا طرح الجانب «الإسرائيلي» هذه المسألة الحساسة في اللحظة الأخيرة والتي ترافقت مع إعلان تأجيله البدء بعمليات استخراج الغاز من حقل كاريش إلى منتصف تشرين الأول المقبل، وأبلغ انه متمسك ببقاء سيطرته على منطقة العوامات لدواعي أمنية إسرائيلية؟

ـ وماذا سيكون موقف لبنان في هذه الحالة؟ وبالتالي ما هي الاحتمالات المتوقعة؟

أولاً، انّ موافقة الجانب «الإسرائيلي» على مطلب لبنان بان يكون حقل قانا كاملاً من حصته، مقابل حقل كاريش للجانب «الإسرائيلي»، وان يكون الخط 23 كاملاً من دون أيّ تعرّجات هو الخط الفاصل للحدود البحرية بين لبنان وفلسطين المحتلة، ومن ثم يأتي ويقول، يريد أن تبقى منطقة العوامات، والتي تقع داخل الخط 23، ضمن سيطرته، معنى ذلك أنّ الجانب «الإسرائيلي» يسعى إلى أحد أمرين:

الأمر الأول، إما النجاح في ابتزاز لبنان في اللحظة الأخيرة، بدفعه الى تقديم تنازل مقابل الحصول على مطالبه الأخرى، وفي هذه الحالة تكون حكومة يائير لابيد قد حصلت على تنازل من لبنان مقابل التنازل الذي قدّمته بإعطاء لبنان كامل حقل قانا الذي يمتدّ إلى داخل المياه الإقليمية الفلسطينية المحتلة، وبقية الخط 23، وبالتالي إيجاد المبرّر «إسرائيلياً» لتوقيع اتفاق الترسيم مع لبنان لا يستطيع رئيس تكتل ليكود بنيامين نتنياهو استغلاله في الانتخابات «الإسرائيلية» المقبلة والقول انّ لابيد خضع لتهديدات المقاومة وقدّم «التنازلات» للبنان.

الأمر الثاني، أو إذا رفض لبنان، تقديم مثل هذا «التنازل»، وتمسّك بالخط 23 من دون أيّ نقصان، فإنّ الجانب «الإسرائيلي» يريد تبرير عدم موافقته على التوقيع على اتفاق يظهر فيه بأنه خضع وتنازل أمام لبنان تجنّباً للدخول في مواجهة مع المقاومة.. وبالتالي تجديد قراره بتأجيل الاستخراج من حقل كاريش مرة جديدة إلى ما بعد إجراء الانتخابات «الإسرائيلية».. ايّ استمرار المماطلة والتسويف «إسرائيلياً»، انطلاقاً من وجود وجهة نظر «إسرائيلية» تستهول ظهور الكيان «الإسرائيلي» بمظهر من يتنازل أمام تهديدات المقاومة، وهو أمر لم يعتد عليه في مفاوضاته مع الدول العربية، إذا لم يحصل في المقابل على تنازلات كبيرة تبرّر أيّ تنازل من قبله، كما تمّ في اتفاقية كامب ديفيد مع مصر…

ثانياً، ماذا سيكون موقف لبنان من الطرح «الإسرائيلي»؟

الواضح أنّ الموقف الرسمي اللبناني ينتظر رأي الجيش اللبناني إزاء إحداثيات منطقة العوامات، فإذا كانت من ضمن الخط 23 فإنه من الأرجح ان يرفض لبنان مثل هذا المطلب «الإسرائيلي»، ويعلن أنه إذا لم يتمّ التوصل إلى اتفاق يعطي لبنان حقوقه، من الآن وحتى منتصف شهر تشرين الأول المقبل، فإنه سيلجأ إلى طلب تعديل خط الحدود البحرية وفق الخط 29 ويعهد أمر تثبيت حقوق لبنان البحرية والدفاع عنها إلى المقاومة ومعادلات الردع التي تفرضها في موجهة كيان الاحتلال، بأن لا استخراج للغاز من مياه فلسطين المحتلة اذا لم يحصل لبنان في المقابل على حقه بالتنقيب والاستخراج من حقوله..

ثالثاً، انطلاقاً من ذلك ما هي الاحتمالات المتوقعة؟

في هذا السياق يمكن رصد ثلاثة احتمالات: الاحتمال الأول، ان يكون الطرح «الإسرائيلي» يندرج في سياق لعبة التفاوض التي تسعى فيها «إسرائيل» إلى تحصيل تنازل في اللحظة الأخيرة، فإذا حصلت على هذا التنازل فإنه مكسب لها يعزز موقف لابيد في مواجهة خصمه نتنياهو، ويقلل بالتالي من حجم التداعيات التي ستلحق بـ «إسرائيل» إذا ما وافقت على اتفاق ليس فيه مثل هذا التنازل مما سيشكل انتصاراً جديداً للبنان ومقاومته يُضاف إلى انتصاراتها السابقة في مواجهة كيان الاحتلال…

الاحتمال الثاني، أن تضطر حكومة لابيد، أمام رفض لبنان للمطلب «الإسرائيلي»، وتحت ضغط حاجتها إلى استخراج الغاز من كاريش لتصديره الى أوروبا بأسعار مرتفعة، وتحت ضغط إلحاح واشنطن للموافقة على ذلك لسدّ حاجة أوروبا لتعويض نقصها من الغاز الروسي،، أن تضطر «إسرائيل» إلى التخلي عن شرطها الجديد، الملغوم، والإقدام على التوقيع على اتفاق الترسيم مع لبنان وفق مطالب الأخير، قبل إجراء الانتخابات «الإسرائيلية» في نهاية تشرين الأول المقبل.. تحسّباً من فوز نتنياهو، أو أن تأتي نتائج الانتخابات بتوازنات تعقد الأمور «إسرائيلياً» خصوصاً إذا كان توازن القوى يحول دون تشكيل حكومة جديدة..

الاحتمال الثالث، أن يكون الطرح «الإسرائيلي» هدفه الأساسي عرقلة التوصل الى الاتفاق، لمعرفة «إسرائيل» المسبقة بأنّ لبنان لا يمكنه أن يقبل بأيّ تنازل عن مطالبه، التي تشكل الحدّ الأدنى، مقابل التخلي عن الترسيم وفق الخط 29 الذي يتداخل مع حقل كاريش.. وهذا يعني أنّ «إسرائيل» لا تريد القبول باتفاق يعطي لبنان حقوقه، وتظهر فيه أنها هُزمت مجدّداً أمام المقاومة ورضخت لمعادلاتها الردعية، وفي المقابل لا تريد الدخول في مواجهة مع المقاومة، غير قادرة على تحمّل أكلافها.. ولهذا فإنها ستفضل الدخول في تأجيل مستمرّ لعمليات استخراج الغاز من كاريش.. وبالتالي عدم التوقيع على اتفاق ترسيم الحدود.. لكن ماذا سيكون حال «إسرائيل» وموقفها إذا ما اعتبرت المقاومة انّ امتناع «إسرائيل» عن استخراج الغاز من كاريش، من دون أن يسمح لشركة «توتال» الفرنسية وغيرها من الشركات الأجنبية البدء بالتنقيب في الحقول اللبنانية غير المتنازع عليها، أمر لن تقبل به، وبالتالي سوف تقدم على فرض معادلة منع «إسرائيل» من استخراج الغاز من كلّ حقول فلسطين المحتلة في البحر المتوسط إذا لم يسمح للبنان البدء بالتنقيب في حقوله.. ايّ أن يرفع الحصار المفروض عليه أميركياً و»إسرائيلياً» والذي يمنعه من استخراج ثرواته التي تسهم في مساعدته على حلّ أزماته الاقتصادية والمالية المستفحلة والتي فاقم منها الحصار الأميركي وأدّى الى انفجارها على المستويات كافة