عندما يطرق الفقد أبواب القادة ...هل يغير سلوكهم ؟

المجموعة: مقالات كتب بواسطة: نداء الوطن

عندما يطرق الفقد أبواب القادة ...هل يغير سلوكهم ؟
مسك محمد، كاتبة ومحللة سياسية مصرية

ليس سهلاً أن يفصل القائد بين موقعه السياسي وبين جراحه الشخصية، لكن الأصعب أن يتعامل مع الفقد كما لو كان حدثًا عابرًا في سردية "التضحية" التي تُقدَّم بلا توقف منذ عقود. خليل الحية، الذي فقد اثنين من أبناء أخيه، أيمن ومعاذ، في قصف إسرائيلي على غزة، يقف اليوم أمام امتحان قاسٍ: كيف يمكنه أن يواصل الخطاب نفسه الذي يطالب الناس بمزيد من الصمود، بينما الفقد طرق أبواب بيته بهذه القسوة؟

 

إنها ليست مجرد خسارة شخصية، بل مأساة تختزل معاناة مجتمع بأكمله. ومن المشروع أن تُطرح هنا أسئلة مُحرجة: هل ما زال موت الأقارب والأبناء يُقرأ في خانة "التضحيات المشروعة"، أم أن الزمن كفيل بأن يكشف أن هذه الدماء، مهما كانت دوافعها، تدفع ثمن غياب الأفق السياسي وغياب الشجاعة في البحث عن مخارج أقل كلفة إنسانياً؟

 

قد يقول البعض إن الحديث عن تسويات في ظل الحرب هو ترف لا وقت له، لكن ماذا بعد كل هذه الدورات من القصف والدمار؟ كم من أيمن ومعاذ يجب أن يُضافوا إلى سجل الخسائر كي يقتنع القادة أن التفاوض ليس بالضرورة خيانة، بل ربما يكون الوجه الآخر للوفاء لضحاياٍ ما كان ينبغي أن يرحلوا بهذه الطريقة؟

 

الحية، وهو أحد أبرز الأصوات في قيادة "حماس"، يُصر على شروط تفاوضية صارمة، لكنه بذلك يحوّل المأساة إلى وقود لصراعٍ بلا نهاية. والسؤال هنا: أليس الألم الذي يعيشه اليوم فرصة لالتقاط لحظة مراجعة حقيقية؟ أليس من الأجدر أن يُحوِّل مأساة عائلته إلى منطلق لفعل سياسي مختلف، يفتح الباب أمام حماية الأرواح بدلاً من انتظار أدوار جديدة على قائمة الشهداء؟

 

إن مأساة أيمن ومعاذ ليست شأنًا عائليًا ضيقًا، بل هي مرآة لآلاف البيوت الغزية التي تدفع ثمن معادلة مغلقة، حيث تتكرر الضربات ويُعاد إنتاج الخطاب نفسه بلا أفق. والمطلوب اليوم ليس التنصل من المبادئ أو التنازل عن الحقوق، بل إعادة تعريف معنى القيادة: هل هي الاستمرار في إدارة الصراع بالطريقة ذاتها، أم القدرة على تحويل الألم إلى أفق سياسي يختار الحياة على حساب الأيديولوجيا؟

 

حين يلامس الفقد بيوت القادة، يفترض أن تتحرك داخله أسئلة مختلفة، لأن الوجع هنا لم يعد مجرد رواية يسمعها من الآخرين، بل صار دمًا من دمه ولحمًا من لحمه. خليل الحية، أحد أبرز قادة "حماس"، فقد اثنين من أبناء أخيه، أيمن ومعاذ، في قصف إسرائيلي دموي. ورغم أن الحزن بدا ثقيلًا، فإن خطابه ظل كما هو: حديث عن التضحية، واستمرار في سردية الشهادة.

 

لكن إلى متى يمكن لهذه السردية أن تظل كافية لإسكات الأسئلة؟ كم من بيت في غزة سيدفع ضريبة الدم قبل أن تدرك القيادات أن "مشروع الشهادة" ليس بديلاً عن مشروع حياة؟ إن حماس، مهما بلغت قدرتها على تعبئة الناس، لا يمكن أن تستمر في توزيع شهادات الشهداء على مجتمع ينهك يومًا بعد يوم، فيما الأفق السياسي مسدود والمستقبل يزداد قتامة.

 

الفقد الشخصي قد يكون فرصة لمراجعة الخيارات. فمن فقد أبناء عائلته لا يحتاج إلى تذكير بأن الموت ليس مجرد عنوان في نشرات الأخبار، بل هو جرح حقيقي يترك ندوبًا لا تزول. وهنا، يصبح السؤال مشروعًا: لماذا لا يتحول هذا الألم إلى قوة دافعة نحو البحث عن حل يوقف الحرب ويصون ما تبقى من الأرواح؟ أليس من الأفضل التفكير في حياة من تبقى، بدلًا من الاستمرار في دفع الفاتورة المتصاعدة كل يوم؟

 

المأساة ليست فردية ولا عائلية، إنها مأساة جماعية تتكرر مع كل بيت غزي. وما لم يخرج القادة من أسر الأيديولوجيا إلى أفق إنساني أرحب، ستظل غزة أسيرة لمعادلة موت لا تنتهي. قد يكون من السهل الحديث عن الشهادة، لكن الأصعب هو امتلاك الشجاعة لإعادة تعريف القيادة بما يضع حياة الناس فوق كل اعتبار.